أخرى قوية جدا ، وقد وعدها الباشا بتسليم أراضي الجربا لها إذا عملت على طردها منها. ولم يعتمد على هذه الوسيلة وحدها بل حاول أن يحدث انقساما في قبيلة الجربا نفسها. وباستعمال السلطة التي كان يدعي بها أسلافه ، مهما كانت اسميتها في حالته هو ، في خلق من يقع اختياره عليه وتنصيبه للمشيخة أقدم على ترشيح شاب اسمه شلاش لمنصب شيخ عشيرة الجربا. على أن عددا قليلا من أفراد العشيرة فقط اهتموا لهذا الترشيح ، بينما تمسك القسم الأكبر والأهم منهم بشيخهم القديم صفوگ. لكن عنزة ، وقد أسال لعابها في الوقت نفسه مطمح التمتع بمراعي الجربا الممرعة ، جاءت ملبية النداء بما لا يقل عن خمسة وثلاثين ألف محارب ليضمنوا القضاء على خصومهم. وما حل هذا الوقت حتى كانت مخاوف الباشا ومحميه شلاش قد زالت بتراجع صفوگ لسبب أو آخر إلى مسافة أبعد. فأرسل سموه من يخبر حلفاءه الجدد بأن خدماتهم لم تبق لها حاجة ولا أظنك تعجبين إذا علمت أن عنزة ، التي انتعشت فيها الآمال القديمة وجاءت من مناطق بعيدة في البادية يشح فيها الخير والعشب ، قد أغضبتها هذه المعاملة التي عوملت بها. فقد رفضوا مغادرة مكانهم رفضا باتا حتى يكون الباشا قد نفذ من جانبه الالتزام الذي تلزمه به الاتفاقية ، لأنهم قد قاموا من جانبهم بما كان يترتب عليهم أن يفعلوه. واحتلوا موقعا في جوار المدينة يؤدي إلى أضيق مسافة من الجزيرة التي تحجز بين دجلة والفرات تأكيدا على ما قر رأيهم عليه.
وحينما استثيرت مخاوف الباشا بهذا العمل من جديد دعا محميه شلاشا لمساعدته في الدفاع عن بغداد وطرد عنزة عنها. بينما قام هو من جانبه بتحشيد جيشه المؤلف من بضع مئات من الخيالة الألبانيين ، والجند النظامي ، وساقه مع المدفعية ليستعرض أمام عنزة. ثم أطاع شلاش الأوامر وجاء بفريق العشيرة التابع له إلى ما يقرب من بغداد. وبالشعور الذي يتميز به العرب عادة عمد حتى الشيخ صفوگ نفسه ، الشيخ المعادي له ، إلى إنفاذ مفرزة تتألف من ألفي رجل لمساعدته في هذه المناسبة. وكتب إلى شلاش يقول : «أنا وأنت عدوان متخاصمان ، ويمكننا ان نسوّي النزاع بيننا في موسم مناسب. لكن شرف العشيرة في الوقت الحاضر قد تعرض للخطر ، ولا أستطيع السكوت عن ذلك