ما لم أقدم معونتي للمحافظة عليه». على أن المساعدة كان إنفاذها عبثا ، لأن عنزة كانت أقوى من أن تستطيع الجربا مهاجمتها بنجاح حتى لو كانت العشيرة كلها قد عبئت لهذا الغرض. فقد وقعت مناوشات طفيفة بادىء ذي بدء من دون أن يكون لها تأثير مهم في كلا الفريقين ، ولكن في اليوم الذي سبق وصولي إلى بغداد نفسه أدت مناوشة من هذه المناوشات إلى وقوع اشتباك عام ـ على حد التعابير التي يستعملها العرب على الأقل ـ فاندحر الباشا وحلفاؤه في هذا الاشتباك اندحارا تاما ، وقعت فيه حتى المدافع لمدة ما في أيدي عنزة. لكن ثقل الحرب والخسارة وقع كله على عاتق الجربا التي قطّع شلاش شيخها الجديد إربا إربا فيها وخسرت من الرجال ، على ما يقال ، أكثر مما وقع في أية حرب عربية منذ عدة سنين خلت. وبدافع من بعض الاحترام الباقي لسلطة السلطان استبقت عنزة جند الباشا والتفتت بانتقامها إلى أعدائها من العرب. وقد كان مضمون الهوسات المتعالية في الموقعة «خل النظام واقتل الجربا» وهذا ما فعلوه في الحقيقة والواقع. أما المدافع فإن بدو البادية الجهال لم يكونوا يفهمون على ما يبدو أي الاشياء كانت هي ، وعلى كل حال فقد كانوا يجهلون كيفية استعمالها. ولذلك تركت في ميدان المعركة حتى استعادها جند الباشا ، الذي شجعه رفق العدو به ، من دون معارضة وتقهقر راجعا بسرعة إلى حيث صار يحتمي بسور المدينة.
فعلى مثل هذا كانت الحالة العامة في بغداد حينما وصلت إليها. وإن الخوف من عنزة قد دفع كل قروي وبستاني ، وجميع القبائل العربية الصغيرة التي كانت متعودة على النزول في الريف المحيط ببغداد ، إلى داخل الأسوار. واضطر جميع من كان يملك قطعانا من الأغنام أو الماشية أو الجمال في المناطق المجاورة إلى أن يلتجىء إلى داخل السور أيضا فيشغل الفسح الوسيعة التي خلفها الفيضان. وهذا من شأنه ان يضيف بالتأكيد إلى تكاثر الناس وتدفق الحياة في الداخل ، لكنه أيضا يزيد بصورة مزعجة في الضوضاء والفوضى المستحكمة في الشوارع. وهذه القطعان من الحيوانات هي التي كنت من قبل قد ألمحت إلى مرورها في رواحها وغدوها من تحت شباكي في كل صباح. وحينما كنا نحاول في الصباح الباكر أن نمر من بعض الشوارع أو نخرج من