أبواب المدينة كنا نحسد أنفسنا على الصبر والتحمل الذي كنا نبديه قبل أن نستطيع المرور. أليست هذه صورة جميلة لولاية كان يجب أن تكون من أعظم الولايات ازدهارا وإنتاجا في الامبراطورية التركية جميعها؟
٢٠ تشرين الثاني
لقد ركبنا وتجولنا كثيرا منذ أن دونت آخر تاريخ يومي إليكم ، فقد مررنا بجميع المحلات المسكونة في بغداد ، وزرنا معظم المشاهد التي تستحق الزيارة والالتفات. وكان من بين الأماكن التي زرناها مرقد السيدة الظريفة ، سريعة الخاطر ، زبيدة (١) زوجة هارون الرشيد. على أنني ليس عندي ما أعلق به على هذا المرقد سوى أنه يتألف من برج مستدق فريد في شكله يشبه المسلة ، ويحمل على قاعدة طويلة بشعة جدا ، ويحتوي الجزء السفلي منها على مكان القبر. لكنني لم أدخل إلى الداخل لأرى ما يوجد فيه. فإنهم هنا يبدون اعتراضات كنت أرغب في تحاشيها ، خاصة وقد كانت رغبتي في استطلاع المراقد الإسلامية قد حيل دونها في مناسبات كثيرة من قبل. وسوف لا أعمد إلى تسليتكم بالأفكار والمشاعر التي ربما تكون قد خطرت في فكري عند زيارتي لقبر هذه الحسناء الشهيرة ، التي نقرن كلنا باسمها بعض ذكريات الشباب المفرحة ، مع أن الأيام التي كانت تجلس فيها زبيدة وتسلي نفسها بالاستماع إلى القصص والمغامرات كما كان يفعل زوجها وسيدها لم أستطع تخيلها أمامي. لكن قصر الخليفة قد اختفى من الوجود ، وأصبح حتى موقعه
__________________
(١) كان الرحالة نيبور أول من أشار إلى أن هذا القبر هو قبر زبيدة زوجة هارون الرشيد حينما زار بغداد في ١٧٦٦ م ، وقد أورد نص الكتابة الذي يؤيد قوله هذا. لكن الدكتور مصطفى جواد يرى غير هذا الرأي في كتاب (دليل خارطة بغداد) ص ١٧٠ على أساس أن زبيدة كانت قد دفنت في مقابر قريش أي في مشهد الإمامين الكاظمين. وهو يقول إن القبة المذكورة هي تربة زمرد خاتون زوجة الخليفة المستضيء بالله وأم الخليفة الناصر لدين الله العباسي المتوفاة سنة ١٢٠٢ م بتصريح عدد من المؤرخين.