موظفي المقيمية كان في ديوان الپاشا يوم أمس أثناء احتدام المعركة ، فجاء رجل من الجانب الآخر يطالب بقماش قطني لتكفين أربع وعشرين جثة ، وهو عدد القتلى العائد لمفرزة واحدة فقط. وقد تناهى إلينا أن قائد الهجوم الجريء على الجسر قد أصيب برأسه فقتل ، كما قتل وجرح بجروح بليغة عدد من رجاله. ولا بد أن تكون الخسارة في الجنود باهظة بالنسبة لما وقع في باب الحلة ، لأنهم وقفوا هناك معرضين لنيران الأعراب الذين كانوا يقاتلون من وراء أسوار حجرية. فلم يحاول أحد تقدير خسائرهم هذه ، على أن أشد الضرر قد وقع في البلدة نفسها. فإن فظاعات الجنود ، على كونها لا يمكن أن تكون أعظم مما يقترفه الجنود الأوربيون حينما يستولون على بلدة من البلدان بهجوم صاعق ، كانت مفجعة بمقدار غير يسير. فقد أسيئت معاملة النساء بشكل مرعب ، وجيء في هذا اليوم بجثة امرأة أقدم على قتلها وحش ألباني بينما كانت تقاوم تجاوزه عليها بشدة. وقد ألقيت على عتبة مرقد الشيخ ، فأمر النقيب بأن تدفن كما يدفن الشهداء. وبينما كان شرير آخر من هؤلاء الأشرار ينهب حرم أحد بيوت العرب أزعجه صراخ طفل من الأطفال فيه فحمله من مكانه وألقى به في البئر على ما كان يعتقد. وراح يتبجح بفعلته الشنيعة هذه في الخارج ، فوصل الخبر إلى أسماع أمه المسكينة وتجرأت على العودة إلى البيت علها تعثر على جثة طفلها. فنزحوا البئر من أجل ذلك ولكن من دون جدوى ، وبينما كانوا يهمون بالخروج بعد أن يئسوا من العثور على شيء سمعوا صراخا خافتا تعقبوا أثره في كل مكان ، فعثروا على الطفل ملقى في التنور. والظاهر أن الوغد اللئيم قد توهم بالتنور فحسبه بئرا فألقاه فيه. فأخرج الطفل من دون أن يكون قد تضرر بشيء يذكر. وهنا يمكنكم أن تتصوروا مقدار الفرح الذي استولى على الأم المسكينة!
وليس بوسع المرء أن يتصور مقدار النفوس التي كانت تحتشد في الجانب الغربي خلال الأيام الاعتيادية. فإن الأسواق يكاد يستحيل المرور فيها من جراء البغال والحمير الكثيرة التي تمر مع سائقيها محملة بالأثاث ، مع أن الدكاكين ما زالت مغلقة من الرعب والفزع المستولي على أصحابها. أما الجسر فيكوّن من أوله إلى آخره منظرا بالغ الروعة ، إذ تراه مكتظّا بالناس من