وفي اليوم التالي (أول تشرين الثاني) تمشيت لأشاهد البلدة وأحصل على فكرة عن الحالة فيها أحسن من الفكرة التي استطعت تكوينها بنظرتي السطحية الأولى. فتأكد لي أن الانطباعات التي تكونت عندي بتلك النظرة العابرة لم يكن بوسع الملاحظات الأخرى أن تحسنها في نظري أو تغير شيئا منها بأي مقدار كان. فقد كانت البلدة كلها ضنك وإملاق ، وقذارة ودمار. ولم يكن يلاحظ فيها ولا مسكن محترم واحد. كما لم يكن عند أي أحد من الناس ، كبيرهم ووضيعهم ، الرغبة الصادقة ولا الوسيلة اللازمة لترميم البيوت وتحسين شكلها أو حالتها ، ولذلك أصبحت الأكواخ المقامة فوق أنقاض القديمة منها أحقر في وصفها من الحد الاعتيادي. كما أن أرض السليمانية ، التي تبنى من طينها الدور ، هي من النوع الهش الذي يكون قليل المقاومة للعوامل الجوية ، فهي تفتتت حالما تترك لشأنها. فبفعل عدة أسباب وتأثيرها كادت البلدة ان تزول من الوجود تقريبا. على ان الاسواق كان منظرها أحسن مما كنت أتوقعه ، بالنسبة للحالة في بقية البلدة. لأن الدكاكين معظمها وإن كانت مشغلة من قبل الباعة المتنقلين وباعة المفرد الذين يبيعون السلع التافهة ، فإنها مع ذلك تتصف بشيء من حسن المظهر ، وكان من الممكن أن يلاحظ تجمع عدد غير يسير من الناس في الفسح المكشوفة التي تباع فيها منتجات القرى والأرياف. فقد قيل لي إن السليمانية لا يزال يقيم فيها حوالي ألف إلى ألف وخمسمئة أسرة لكنني إذا أردت أن أحكم عليها من المظاهر أقول بأن الرقم الأول الذي ينطوي على مجموع يقدر بخمسة آلاف نسمة (١) على الأقل هو الأقرب إلى الحقيقة إذا لم يكن أقل منها.
ولما كانت البلدة نفسها واقعة في منخفض من الأرض فإنها لا يمكن ان ترى إلا من بعض المرتفعات المحيطة بها ، وأحسن منظر لها يبين للناظر من رابيتين متخذتين مدافن للموتى ـ فهما تصلحان للسكن أحسن بكثير مما تصلح له البلدة نفسها. وبنزولي من إحدى هاتين الرابيتين التي كنت قد صعدت إليها
__________________
(١) أي بمعدل خمسة أفراد للأسرة الواحدة على ما يبدو.