وفي هذا اليوم وجدنا على مسافة غير بعيدة من البلدة بركة جميلة غزيرة المياه تنبع من الأرض وتتصف ، كما أكد لنا الناس ، بخاصية الإبراء من الأمراض. وقد كان منبعها الأصلي محاطا بسد من الحجر ، كما كان في الماء المنحصر على هذه الشاكلة عدد من الأسماك التي كانت تسبح وتتحرك غير عابئة بأحد لأن الناس لم يكونوا يتعرضون لها. على أن الجنود الروس الذين بعثوا إلى هنا من أذربيجان كانوا قد عملوا على اصطيادها وتقليل عددها برغم الإنذار بالموت الذي كان يصدر من الناس تجاه هذه الإساءة المدنسة للقدسية. فزعم أن بعض الذين أكلوا من هذا السمك قد ماتوا بنتيجة ذلك.
وقد تحدثت في هذا اليوم مع دليلنا في موضوع النذركاهات (أماكن النذور) ، فكان تفسيره لها بسيطا. إذ قال لي «إن الشخص المريض حينما يرى في الحلم أحدا من الأئمة أو الرجال الصالحين يظهر في بقعة خاصة فإنه يعمر تلك البقعة ، وحينما ينال مراده الذي كان ينتظره يبادر إلى تخليد المكان بمثل هذه الأكوام من الحجارة التي كثيرا ما نراها في طريقنا اعترافا منه بالجميل وإرشادا للآخرين عن هذه البقعة المقدسة. فيؤدي هذا إلى مجيء المرضى الآخرين إليها وإضافة أحجار أخرى فوقها ، وبمرور الوقت تصبح الأكوام عديدة وكبيرة. وكثيرا ما يشد الذين انتفعوا بهذه الوسيلة قطعا من ملابسهم كذلك في الشجيرات المحيطة بتلك البقع كما ترى». وهو يقول أيضا إن قبور العظماء من الرجال ، أو الذين يقتلهم اللصوص أو يقتلون خيانة ، لا توضع فوقها هذه العلامات ، ولا تلقى مثل هذا النوع من الاحترام والتوقير. لكن عمودا يحمل علما في أعلاه قد يرفع أحيانا ، أو قد توضع بقربه علامة غير هذه لتدل المسلمين الصالحين على المكان الذي يجب أن يترحموا فيه على الموتى.
وقد تحركنا في السابعة من صباح اليوم الثاني. فمررنا في طريقنا بمواقع عدد من القرى المهجورة التي كانت يوما ما تسبغ الحياة والجمال على مرابعها ووديانها الصغيرة. لأن السكان قد هربوا عن هذه البلاد المنكودة الطالع وأخذوا معها ما كان فيها من سلم وازدهار ، فخلفوها فريسة للطغاة