قمته ، وهي لا بد أن تكون آخر ما بقي من غابة كانت تغطي هذه الجهات بأجمعها في يوم من الأيام. وهذه الشجرة مدينة في بقائها لتقليد من التقاليد لا يمكنني تفسيره ـ إذ ربما يكون أساسه قد ضاع بمرور الزمن. لأن جل ما يمكن معرفته اليوم في هذا الشأن هو أن المسافرين الذين يأوون إلى ظلها بعد صعود متعب سرعان ما يزول عنهم التعب وتدب فيهم القوة لمتابعة المسير. وقد كانت محاطة بجدار من حجر ، ويطلق عليها «دور المنده».
وعلى بعد عدة أميال من الممر الصخري الذي نزلنا هذا الجبل منه وقفنا لنتناول فطورنا في قرية كردية حقيرة تسمى جان ريز ، حيث يسكن سليم أغا رئيس أكراد الدلو (١) من فروع البابوات في السليمانية. وحينما أشرفنا على القرية لا حظنا وجود رماح وخيول مسرجة ، ثم وجدنا عند وصولنا أن البك كان يعد العدة للخروج إلى الصيد لأنه كان محاطا برجال الحاشية المجهزين للركوب ، والذين كانوا يمسكون عددا من كلاب الصيد (السلق) بأربطتها ، ويحملون فوق قبضات أيديهم الصقور الملفوفة رؤوسها بالغماء.
وقد حصلت لنا كلمة قالها الدليل ، الذي تقدمنا بعدة ياردات ، على ترحيب معهم بالمجاملة من هذا الرئيس الذي كان شخصا محبوب المظهر ، يتجاوز منتصف العمر ، بلحية يختلط فيها الشيب وتقاسيم تدل على قوة معتدلة. ثم استنكر الاعتذار الذي تقدمت به عن تطفلنا عليه واعتراض سبيل خروجه إلى الصيد. وحلف برأس الپاشا وعيونه هو بأنه يرحب بنا ألف مرة لا مرة واحدة. على أنه تأسف لأن معدات الراحة عنده غير كافية ، وطعامه غير مناسب بحيث إنه يخجل من الاحتفاء بنا بهذه الوسائل. حيث قال «لكننا نحن الأكراد أناس خشن نعيش في السهول والجبال وليس عندنا في أي وقت من الأوقات ما نفاخر به ، والآن فإن القليل الذي كان عندنا قد زال ـ فنحن ما بين أمير أو پاشا ننشد
__________________
(١) جاء في النص ١٧١ من كتاب العشائر العراقية (ج ٢) أن الدلو يسكنون في أنحاء كفري وأنحاء خانقين ... ومنهم بيت البيرقدار ، كان رئيسهم يحمل بيرق البابان والآن هذا البيت في أنحاء الصلاحية (كفري).