أهدي له من السياح الآخرين. ولما كنت راغبا في تكوين أصدقاء كثيرين على قدر ما يمكن لفائدة الذين قد يمرون بعدي من هنا اغتنمت فرصة تذمره من مقص إيراني كان يحاول عبثا أن يقص به قطعة من الورق ، فأهديه مقصّا إنكليزيّا ممتازا. فزاد هذا في مقدار ما كان قد سببه عنده السكين قبلا من الرضا والسرور ، وأخذ يثني بكثرة على الإنكليز وسلعهم الممتازة. ثم تطرقنا في حديثنا إلى أكل لحم الخنزير وتناول المسكرات وأوجه تحريمها ، وإلى موضوع الأشباح والأرواح الخبيثة فكان البك غير ملم بشيء عنها. غير أنه مع ما كان عنده من خشونة طباع وعادات افتراسية نهابة كان يؤمن إيمانا غير يسير ببعض الخرافات ، وهذا شيء شائع بين أهل المكر وقطاع الطرق.
والظاهر أن يوم التوبة ، بالنسبة للنهب وسفك الدماء ، لا يزال بعيدا عند رستم بك. فقد أسهب في وصف المعارك التي خاضها ومقدار السلب الذي حصل عليه بحماسة وحرارة كانتا تدلان على مقدار الخبث والشيطنة المتأصلين فيه. ثم قال لي إنه كان قد جرح عشر مرات على الأقل برغم أحسن الدروع التي يملكها. وهو يقول «عندي دروع من كل نوع ، وقد كنت أستعملها على الدوام ، لكنني تعلمت أن لا أعتمد عليها إلا قليلا بل أعتمد على الله وحده». وقد ضم صوته للآخرين في ندب الأيام السود التي حلت بالعنصر الكردي. فهو يقول «إن أزمنة الأكراد الذهبية قد ولت. اركب وتجول في البلاد فأية روحية وأية حيوية تجد فيها؟ إن جميع الخيالة الماهرين والرجال الشجعان قد قضوا نحبهم. أو هربوا إلى بلاد أخرى ، أو تسلموا المحراث اضطرارا للحصول على المال الذي يدفع للپاشا ولإعالة الزوجات والأطفال. وأي نفع يبقى في الجندي حينما ينصرف إلى المحراث يا ترى؟» فصدقته على ما قال حول زوال أمارات الرفاهية والازدهار من البلاد ، لكنني قلت له ان الناس كلهم على ما يبدو لم ينصرفوا إلى المهن السلمية وتبرهن على ذلك أخطار الطريق. فأجابني يقول «إن هذا بسيط ، إنها ليست سوى بعض حوادث للسرقة والنهب هنا وهناك ، فلا وجود الآن لعصابات الخيالة الباسلة. لكني أرجو أن تطمئن بأنني أنا رستم بك أتعهد بضمان سلامتك ، وسوف لا يمسك أي شيء ما بين هذا المكان وكفري. أنت رجل طيب ممتاز ، وإني أودك وأقدرك حيث