أنك لا تشبه البعض من أهل بلادك الذين قابلتهم قبل هذا ، ممن لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا سوى الأكل والنوم ، إن عيونك مفتحة وعندك ذوق. اطمئن ، فسوف ترى كفري سالما يوم غد».
ولا شك أنك قد عرفت الآن ما يكفي عن رستم أغا. لقد أغريت على وصف شخصيته والكتابة عنه بشيء من التفصيل لأنه نموذج ممتاز للرئيس الكردي المتوحش. وقد زودنا في صباح اليوم التالي بدليل للطريق ورسالة إلى كفري ، مقسما فيها بعيونه وبحياة ضيفه نفسه بأن لا تمس ولا شعرة من رأسي في أي مكان تكون فيه كلمته مسموعة. وهنا كذلك سوف أترك التحدث عن أصدقائنا الأكراد الخشن الذين ربما تكونون قد مللتم من تحدثي عنهم. فهم مثل سائر الأمم والرجال مخلوقات من نتاج الظروف والتثقيف ، لكنهم يتصفون بصفات قومية خاصة يمكن أن تتحول إلى الاعتبار الصالح. فإنهم شجعان وأصحاب ضيافة إلى حد معين ، لكن الصفة الأخيرة قد تضاءل شأنها في السنين الأخيرة إلى حد مؤسف بسبب الفقر والجور. وهم مثل معظم الأقوام التي تعيش عيشة الرعاة وتحكم بحكم شيخي معروف يتميزون بحب قوي للأهل والعشيرة ، مما يجعلهم شرسين عنيفين في تخاصمهم وتشاجرهم. فيتبنون الضغينة والثأر الناشىء عن الإساءة الحاصلة لقريب من الأقارب ويطورونها بسلسلة من القتل الخالية من الرحمة والضمير. وهم وإن كانوا بعيدين بطبيعتهم عن القسوة فإن هذه الضغائن ، وتولعهم بشؤون القتال والنشاط الحربي ، تميل بهم إلى ان يصبحوا تحت رحمة الطيش في سفك الدماء وتؤدي بهم إلى أن يضعوا حياة الإنسان من حيث الاعتبار في مستوى أحط من المستوى الذي توضع فيه في البلاد المسالمة. ومع ذلك فإن حروبهم تكون غير مميتة وإن نفس الشعور بالعواقب غير المتناهية المتأتية عن سفك الدماء يعمل على كبح عواطفهم كبحا ناجعا حينما يكون مجرد الشعور بالرحمة أو الحس الأخلاقي بفظاعة الجريمة أضعف من أن يستطيع الحيلولة دون وقوع القتل. وهكذا تكون الحالة في الحقيقة بين القبائل نصف المتوحشة ، حينما ينعدم وجود قوة مهيمنة عليا تستطيع ممارسة السيطرة المطلوبة. وإذا ما أراد المرء أن يكوّن فكرة قريبة إلى ذهنه عن الأكراد أو التركمان أو حتى العرب ،