هناك من سيذهب للبحث عنهم ، وكلما كثر البدو كثرت الجمال. تلك كانت حالة البلد ، واعتمادا على أوامر المصادرة التي أصدرتها حكومته نظّم البنباشي أمر مصادرة جمالنا زاعما أنها تابعة للمعسكر ، وأنه اعتمادا على ذلك لا يحق لبدو الطور أن يؤجروها. وقد أجبناه عن ذلك بالقول : إن كوننا غير مصريين ، وغير بدو / ٨٧ / يجعل أوامر الباشا لا تخصنا أبدا ، وإن جمالنا لنا حتى الطور لأننا استأجرناها ، ودفعنا أجرتها ؛ وإننا نمنعه من أن يمسها ، ونلقي على عاتقه مسؤولية تعويض الأضرار التي تلحق بنا ، ولن نتوانى عن طلبها من الحكومة المصرية عن طريق قنصلينا عن كل ساعة تأخير يسببها لنا ، ناهيك عن إزاحته عن منصبه التي ستتلو ذلك دون أدنى شك. وبعد هذا الاعتراض الحاسم ، كتبنا في المساء نفسه رسالة إلى صديقينا المهندسين في معسكر وادي حبران ليمدوا لنا يد المساعدة عند الحاجة. ولم تصل الأمور إلى هذا الحد لأن البنباشي خاف ، وعدل عن مزاعمه ، وأفرج عن جمالنا وجاءنا زائرا ، ولكننا رددنا له الصاع صاعين باستقباله كما كان قد استقبلنا. كنا على طاولة الطعام عند ما جاءنا ، وبدلا من أن ندعوه إلى مشاركتنا طعامنا ، كما كنا سنفعل ذلك في ظروف مختلفة تماما ، وكما جرت العادة دوما في الشرق ، تركناه واقفا ، ولم ندعه يدخل علينا بل تركناه على قدميه أمام الباب ، ولم نوجه إليه أي كلمة ، ولم نعره أي اهتمام كما لو أنه ليس بموجود. كان هذا الدرس القاسي ضروريا : وينبغي على الدوام معاملة الأتراك كذلك في مثل هذه الحالة ، وإلّا / ٨٨ / فإنهم سيحتقرونك ويزعجونك. لقد أبدينا في مقابل ذلك احتراما كبيرا لطبيب عسكري شاب كان يرافقه ، ولم يكن لدينا ما نأخذه عليه ، كان مصريا ، ويتحدث الفرنسية والإنكليزية بطلاقة. وقد لمحنا في أثناء رحيلنا من بعيد أن البنباشي ، قد خطرت له فكرة عبقرية ؛ إذ نصب في وسط المعسكر منصة عالية من الخشب فوقها كرسي ، وكان يجلس عليه ، وكأنه مشعوذ على سريره ، ظانا بلا شك أن مكانته المعنوية ترتفع بسبب مباشر من ارتفاعه المادي. مررنا على مرمى منه دون أن نلتفت إليه ، ولست أشك بعد كل ما حدث ، أنه لم يحتفظ بذكرى حسنة عن إقامتنا في سيناء.