ضرب من الكوثل ، أعدوا تحته خلوة أطلقوا عليها اسم مقصورة ولا فخر! وهي واسعة تكفي لاحتواء مرتبتين ولا شيء غيرهما ؛ كنا ننام هناك ، أمّا في النهار فكنا نعيش في الهواء الطلق على الكوثل. وإن للسنبوك الذي يسير بالتجديف شراعين يكادان يكونان لاتينيين ؛ أحدهما في مقدمة السنبوك ، ويمتد بكامله خارج السنبوك عند ما ينفخه الهواء ، ويشكل ما يشبه بالونا نصف مدور. أما جؤجؤ السفينة ، فقد كان يشبه ما رأيته مرسوما على لوحات جدارية أو ميداليات قديمة ، وأراهن واثقا ، أنه ومنذ قرون ، لم يتغير أي شيء فيه ، وأن المراكب والأشرعة والمجاديف هي بالتأكيد نفسها منذ العصور الموغلة في القدم ، وأن البحارة يرسون في المرافىء نفسها ، ويمارسون العادات نفسها ، ولديهم الأحكام المسبقة نفسها ، ونذر الشؤم نفسها التي كانت في عهد سكان الكهوف.
كان السنبوك مصنوعا من خشب هندي قاس جدا يسمّى : الساج. وقد رأيت في ميناء مرسيليا ، / ٩٤ / سفينة قديمة تابعة لشركة الهند ، مصنوعة من الخشب نفسه في بومباي في عام ١٧٠٧ م ، وقد أصبح هيكلها قاسيا حتى إنه يثلم المسامير التي نود غرزها فيه ويلويها. يبحر بطريق البحر هذا ، منذ مئة وخمسين عاما ، ويعدّ فأل خير لأنه لم يغرق أبدا ، وأغنى كل من ملكه (١).
وقد كان لسنبوكنا أيضا سمعة حسنة جدا ، لقد كان يعدّ عن استحقاق سنبوكا سريعا ، وكان الشيخ عبد الغفار ، مالكه ، وهو تاجر ثري من تجار جدة ، مسرورا مما ينجز به من أعمال ، وقد كنت مسرورا أنا نفسي لأنني وجدته يقوم بالرحلة.
كان على متنه ، ناهيك عن الريس ، فريق مكون من عشرة بحارة ، وعبد أسود صغير ، رشيق ونبيه ، كان في الوقت نفسه يعمل نوتيا وخادما للجميع. وكانوا يعاملونه معاملة إنسانية لائقة ، ولم أره خلال خمسة عشر يوما قضيتها على ظهر السنبوك يعاقب إلّا مرة واحدة ، وبلطف شديد. وأجدني مدفوعا إلى
__________________
(١) قارن بما في كتاب : التراث الشعبي ... ، موثق سابقا ، ص ٦٦.