الاعتراف ، لكي أظل صادقا ، أن السنبوك كان يعج بالجراذين ، وبتشكيلة كبيرة من الهوام ؛ ولكنني أضيف مسرعا أن تلك الهوام كانت كما يبدو قد اعتادت العرب ، وظلت وفية لهم ، ولم ينلنا منها إلا إزعاج بسيط.
تلك هي السفن المستخدمة في البحر الأحمر ، إنها آلات خفيفة لملاحة صعبة. يعدّ هذا البحر واحدا من أخطر البحار / ٩٥ / التي نعرفها : تقطعه وتعبره في كل الاتجاهات تيارات مائية ، وتملؤه الصخور البحرية والشعاب المرجانية ، وهو ، ناهيك عن ذلك ، معرض لعواصف هوائية عاتية ، يجعلها تقارب الشاطئين والجبال كثيرة الحدوث ، والتغير ؛ لذلك كثيرا ما تغرق السفن فيه ، على الرغم من حذر البحارة الشديد ووجلهم. لقد علمتني تجربتي ، كما سنرى ، أن هذا البحر غير مفترى عليه ، وإن كنت لم أهلك فيه ، فقد أو شكت على ذلك ، وإنني أدين بخروجي سالما لحماية السماء وصلابة السنبوك.
أبحرنا من الطور فجرا ، وكان الهواء طوال اليوم مؤاتيا ، وها نحن قريبا نتجاوز رأس محمد ، الذي يعد الحد الأقصى لشبه جزيرة سيناء. وفي المساء ، وعلى الرغم من أن الهواء كان ما يزال مؤاتيا ، فإنه أصبح عنيفا ، يثير القلق ، وهاج البحر ، وأصبحت الأمواج تتقاذفنا بعنف شديد ، ونحن في زورقنا السريع العطب.
قلت : إن المراكب في البحر الأحمر ، لا تسير ليلا أبدا. وقد كان ينبغي هنا بالتأكيد الالتزام بهذا العرف ، والبحث عن ملجأ يقينا هذا الجو العاصف ، ولكن الأمر هذه المرة كان مستحيلا ؛ لقد وصلنا خليج العقبة الذي كان ينبغي تجاوزه كاملا لكي نجد ملجأ أو مرفأ ، إذا ، كان ينبغي الإبحار طوال الليل على الرغم من عتو الأمواج المتزايد أبدا ، ومن عنف الهواء. / ٩٦ /.
كان المركب يسير بلا بوصلة ، لأنني لا أستطيع إعطاء هذا الاسم للبوصلة البدائية المصنوعة من الخشب ، والتي لا يكاد أحد ينظر إليها في النهار ، وليست مضاءة في الليل أبدا ، كنا نسير وسط الظلمات نحو المغامرة بلا أمم ، وحسبما تقودنا العاصفة ، ولما يئس البحارة من السيطرة على المركب ، وهم لم يحاولوا ذلك ، فإنهم تركوا قيادة السنبوك ، واستسلموا