إن خليج العقبة الذي قاسينا ما قاسينا في تجاوزه ، وترك في نفسي ذكريات مؤلمة ، هو مثل خليج السويس جون صغير على البحر الأحمر الذي ينفتح / ٩٨ / في هذا المكان ليوسع مكانا لشبه جزيرة سيناء. لقد اكتسب خليج العقبة اسمه من قلعة (١) قديمة مهدمة اليوم ، تكاد تشغل كل مؤخرته ، وتحدد أقصى الأراضي المصرية.
وادعى مؤخرا أحد البريطانيين ، وهو الكابتن ألان W.Allan ، أن هذا الخليج كان في أحد الأيام الغابرة متصلا بالبحر الأبيض المتوسط عبر البحر الميت وبحيرة طبريا ، واستند في ذلك على التوضعات الأرضية الممتدة من القواعد الشمالية في لبنان حتى البحر الأحمر ، والتي ليست إلّا واديا عميقا ، واستند أيضا على اختلاف بالغ في المستوى مع البحر الأبيض المتوسط ، حتى إنه يتجاوزه في بعض الأماكن ٤٠٠٠ متر. وهو يرى ، والحالة هذه ، أنه إذا تم حفر قناة في محيط جبل الكرمل فإن البحر سيندفع في هذه اللجة ليتصل بالبحر الأحمر كما كان الأمر في غابر الأزمان.
إن أكبر بحيرتين في فلسطين ستلتقيان بسهولة مع البحر الأحمر كما يفترض الآن بوساطة قناة ثانية تحفر من البحر الميت إلى خليج العقبة. وتصبح الصحراء السورية بذلك محيطا ، ويصبح البحران بحرا واحدا. وإن كان هذا المشروع العملاق ممكن التنفيذ ، فإنه سيغني عن شق القناة الحالية في مضيق السويس ، ويجعل الوصول إلى الهند أكثر سهولة.
لقد عوضنا اليوم التالي عن المحن الصعبة التي مررنا بها في اليوم السابق : فالهواء الذي كان على الدوام مؤاتيا جدا ، أصبح أكثر تناسبا مع طاقة / ٩٩ / الإنسان ، أما البحر الذي كان ما يزال في الصباح هائجا ، فإنه هدأ تدريجيا. واستعاد طاقم البحارة شجاعته ؛ ولمّا لم يكن لديهم ما يفعلونه ، فقد أخذوا في الغناء ، حتى الخادم التركي نفسه ، كان بعد أن زال عنه الرعب ، يغني كالآخرين ، ويزعم أنه لم يعرف الخوف لحظة واحدة. نزلنا إلى البر
__________________
(١) انظر وصفا لهذه القلعة في كتاب : تاريخ سيناء ... ، موثق سابقا ، ص ١٩٤ ـ ١٩٥.