فيها تبجيلا عظيما. لا تمر سفينة بجوار ضريحه دون أن تطلب عونه ، ودون أن ترسل إلى ضريحه الذي تحرسه أسرة عربية ، أعطية من الطحين أو القمح (١).
إن البحارة المحليين مفرطون في التطيّر ، فناهيك عن تبجيلهم الأولياء وإخلاصهم لهم ، فهم يعتقدون أن قاع البحر مسكون بالجن ، وأن منهم الأخيار ، ومنهم الأشرار ، وقد سبق لنا أن تأكدنا من ذلك عند بركة فرعون ؛ إنهم ينسبون للجن الأخيار الإبحار الموفق ، ويتهمون الأشرار بأنهم يهيجون الأمواج ، ويعصفون الرياح ، ويجذبون السفن إلى وسط المهالك. لذلك لا يفوت البحارة أبدا أن يخطبوا ودهم بأن يرموا لهم في البحر ما تحتويه وجباتهم ، بعض حبات من التمر ، وقبضة من الطحين ، وفي بعض الأحيان رغيف خبز كامل لكي يكون للأرواح الشريرة نصيبها أيضا (٢).
لم نكن نرى اليابسة في يومي ٤ و ٥ فبراير (شباط) ، ولكنها عادت إلى الظهور ، ورأيت عند الظهور الشمس ، في الأفق مدرجات جبلية رائعة يتلو بعضها بعضا ، وهي مقسمة بمهارة عجيبة ، وإن أقرب سلسلة تسمى نبط (٣) ، وأبعدها / ١٠٦ / أبو غريرAbou Gharir. وتعلو قمة جبل المهر المخروطية على كل القمم الأخرى. وتمتد تلك الجبال نحو الجنوب ؛ وخلف هذه الجبال تقبع المدينة المنورة ، ووراءها باتجاه الشمال الشرقي صحراء نجد الشاسعة التي يفصلها عن بغداد جبل شمر ، ويوجد في تلك الصحراء أكثر جياد الجزيرة
__________________
(١) انظر : رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٣٩١ ، وقارن بما في كتاب : التراث الشعبي ... ، موثق سابقا ، ص ٦٨.
(٢) انظر : رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٣٩٠ ـ ٣٩١.
(٣) كتبها ديدييه Nabt وهو مكان معروف. أما جبل المهر فقد كتبها ديدييه Mahar ، وجاء في : معجم معالم الحجاز ، للبلادي ، ١٤٠٢ ه / ١٩٨٢ م ، ج ٨ ، ص ٣٠١ ـ ٣٠٢ : أن المهر جبل بطرف حرّة عويرض من الشمال ، أسود طويل لبني عطية ، تدعه سكة حديد الحجاز إلى المدينة يمينها ، يصب ماؤه في سهل المعظم. ولم أجد : أبو غرير فتركته كما كتبه المؤلف. وانظر : الترجمة الإنكليزية لرحلة ديدييه ، موثق سابقا ، ص ٥١.