في البدء ها هم المؤمنون يذهبون إلى صلاة العصر في المسجد المجاور ، ثم يأتي بعد ذلك الغواصون الذين طالما ألحوا عليّ ، وبأدب جم ، لأزور أماكن غوصهم. وكان يمر أمامي أيضا جيئة وذهابا ، وبأنفة ، عدد من الباشي بوزوق (١) الأرناؤط والأكراد الذين يشكلون حامية تحتفظ بها الدولة العثمانية هنا ، والذي كانوا يصطنعون هيئة الشجاعة للتأثير فيّ ، وهم مسلحون بغدّاراتهم الطويلة ، متلفعون ببرانسهم البيضاء.
ثم جاء دور الحاكم ليمرّ بعدهم ، وهو لم يأت إلّا بدافع الفضول ، ولكي يلتمس زيارتي ، ولكنه لمّا كان مجرّد أفندي ، فإنه لم يكن له ما يؤهله لكي أمنّ عليه بهذا التمييز : ولما كنت أوروبيا وفرنسيا ومسافرا مميزا ، وطبقا للعرف ، وكما ينبغي أن يكون أي شخص يسافر لمتعته ولتثقيف نفسه ، فإنه لم يكن عليّ أن أخصه بأي مجاملة.
وربما أدهش بعض الناس رؤيتي أتحدث غير مرة عن موضوع آداب العشرة ، وأتخذ منه موقفا متصلبا ؛ / ١١٥ / ولكن ذلك ضروري في الشرق ، حيث لكل شيء قواعده ، وحيث تطبق الرسميات بصرامة شديدة : وإن احترام
__________________
(١) جاء في معجم المصطلحات ... ، موثق سابقا ، ص ٦٥ : «باشي بوزوق : لفظ تركي أطلق في العصر العثماني على القوات غير النظامية «الجيش الشعبي أو المليشيات» كانت معروفة في مصر أيام محمد على باشا ومن جاء بعده ، بلغ عدد أفرادها في عصر إسماعيل ٥٠٠٠ مقاتل ، وهم من الأتراك والعرب ، مهمتهم المحافظة على الأمن في الداخل ، والواحات ومرافقة محمل الحج ، ناهيك عن جباية الضرائب. كانت أرادي «معسكرات» الباشي بوزوق ترتبط بديوان مستقل عن ديوان الجهادية يعرف بديوان «السرجشمة» وكان هذا الديوان يتولى إدارة جنود الباشي بوزوق من حيث التجهيز والتسليح وتطبيق النظم العسكرية ، غير أن هذا الديوان ألغي فيما بعد ، وألحق الباشي بوزوق بديوان الجهادية ، كان لباس الجندي من هؤلاء مصنوعا من الزرد ، وسلاحه سيف مستقيم كأسياف الصليبيين ويتدرع بطراز معروف من الدروع ، وعلى رأس الواحد منهم خوذة لها حامية للأنف على نمط خوذ المماليك». وانظر المعجم الموسوعي للمصطلحات العثمانية التاريخية ، موثق سابقا ، ص ٥٦.