باستثناء أنهم يعملون مختارين بالتجارة والملاحة ، وهم يذهبون يوميا لهذا الغرض إلى القصير والسويس. إنهم مهربون بارعون ، وبطريقة علنية غالبا ، وهم في نزاع دائم مع رجال الجمارك الأتراك. لقد انتشر صيتهم في الحجاز كله بحسن الأخلاق ، مما يميزهم من سكان المدن المقدسة ، التي انحدرت فيها القيم الأخلاقية وخصوصا في مكة المكرمة. إنهم يحتقرون أي عمل يدوي ، وأي وظيفة خدمية ، ولا يرضى أحد منهم أن يكون خادما ، ولكنهم في مقابل ذلك اشتهروا بخشونة طباعهم ، وأنهم يسلكون في بعض الأحيان سلوكا فظا. إن كل ما أستطيع قوله عبر تجربتي : إنني وجدت حظهم من المدنية قليل ، ولكنني لم أتعرض لأي إهانة منهم. وإذا حكمنا عليهم من خلال عاداتهم فيمكن القول : إنهم كثيرو التطير : فقد كانوا عند ما بلغ انتشار الطاعون ذروته في ينبع ، يطوفون أحياء المدينة ، وهم يقودون جملا ، لكي يحمّلون الوباء كله ويركزونه عليه ، ثم يذبحونه في مكان مخصص ، وهم يتخيلون أنهم بقتله إنما يقتلون في الوقت نفسه انتشار الوباء (١). / ١١٤ / وبعد أن جبت المدينة في كل الاتجاهات ، ولما كنت لا أود الإبحار ثانية إلّا عند غروب الشمس فإنني بانتظار حلول موعد الإبحار استقر بي المطاف على باب أحد المقاهي الواقعة في أكثر شوارع المدينة سكانا ، وبالقرب من المسجد ، وقد سنحت لي بذلك الفرصة لأرى أمام عيني ، خلال عدة ساعات ، مرور كل السكان الذكور ؛ ولم أر أية امرأة.
__________________
(١) جاء في : رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٣٨٢ ـ ٣٨٣ : «... وسوف أذكر هنا عادة خاصة بالعرب فعند ما بلغ انتشار الطاعون ذروته في ينبع ، قاد السكان العرب ناقة في موكب عبر البلدة وقد غطّوها بكل أنواع الزينة والريش والأجراس وما إلى ذلك ، وعند ما وصلوا إلى المقابر ؛ قاموا بذبحها ونثروا لحمها للنسور والكلاب ، آملين بذلك أن ينقشع الطاعون المنتشر في البلدة (ينبع) متخذا من بدن الناقة ملجأ ، وأنهم بذبح الناقة سوف يتخلصون من المرض في الحال ، إلّا أن كثيرين من العرب الأكثر تعقلا سخروا من ذلك ، لكن هذه العادة حتى الآن ـ لها بعض الفائدة إذ إنها ترفع الروح المعنوية لدى الطبقات الدنيا» ، قارن بما في كتاب : التراث الشعبي ... ، موثق سابقا ، ص ٦٨.