متمسكة بالبداوة ، مع أنها كانت تسكن المدينة ، لقد حافظت على زي جيرانها في الصحراء ، مع أنها أصبحت مستقرة ، ويتكوّن زي الصحراء : من ثوب من الكتان ، أو الحرير ، حسب الحالة المادية لصاحبه ، مشدود إلى الخصر بحزام من الجلد ، وفوق الثوب عباءة بيضاء فضفاضة على الجسد قصيرة الأكمام. وأما الرأس فهو مغطى بكفّيّة ؛ وهي منديل من القطن المصبوغ باللون الأحمر ، أطرافه موشاة بالحرير الأصفر ، وتسقط أطرافها المزدانة بالأهداب على الكتفين ، ويمسكها على الرأس حبل من صوف الإبل يسمى : عقال ، وهو ملفوف عدة لفات حول الرأس.
ويحمل الرجال أسلحة مخفية ، وفي أيديهم عوضا عن الخيزرانة هراوة تكفي ضربة واحدة منها لأن تصرع ثورا (١). وما دمنا في صدد الحديث عن اللباس ، فإنني أقول : إنني في هذا اليوم ، وللمرة الأولى استبدلت بالقبعة الأوروبية التي يمقتها المسلمون طربوشا تجويفه أحمر اللون ، وطرفه أزرق ، ولم أخلعه إلّا عند ما عدت إلى القاهرة ، وقد وضعت مع الطربوش كفية كانت / ١١٣ / ذات فائدة جلّى إبّان رحلتي إلى السودان ، وحصلت بعد ذلك على عباءة لم تكن فائدتها بأقل من فائدة الكفية.
إن سكان ينبع بدو في ملابسهم ، وهم بدو في عاداتهم الخاصة أيضا ،
__________________
ـ يحظون بشكل عام في الحجاز ، بسمعة طيبة. ورغم أن ينبع لا تضم أفرادا ذوي ثروات كبيرة ، إلا أن كل فرد فيها يبدو مطمئن البال وثريا أكثر من أهل مكة المكرمة. ومعظم الأسر المحترمة في ينبع تمتلك منازل ريفية في واد مثمر يقال له ينبع النخل ، أو قرى ينبع (قرايا ينبع) أو ينبع البر ، وهي تبتعد عن ينبع بحوالي ست ساعات أو سبع ، عند سفوح الجبال صوب الشمال الشرقي. إن ينبع النخل مشابهة لأودية الجديدة والصفراء ، حيث ينمو النخيل وتزرع الحقول ، وتمتد ينبع النخل مسيرة سبع ساعات طولا ، وتشتمل على اثنتي عشرة قرية صغيرة متناثرة على جانب الجبل ، وأكبر هذه القرى سويقة ؛ وهي مكان عقد السوق ، حيث يقيم كبير مشايخ جهينة ، ويعترف بسلطته بدو جهينة وأهل ينبع على حد سواء».
(١) قارن بما في كتاب : التراث الشعبي ... ، موثق سابقا ، ص ٦٤.