الطاعة (١). ليس في المدينة إلا بئر واحدة ، ماؤها أجاج ، والناس مجبرون للحصول على مياه الشرب على حفظ ماء المطر وسيول الشتاء في خزانات تم بناؤها لهذه الغاية ، وعند ما ينقصهم الماء ، فإن عليهم الذهاب بعيدا جدا للبحث عنه في آبار عسيليّة مما يجعل ثمنه مرتفعا جدا. وليس في داخل المدينة إلّا شجرة أو شجرتان من النخيل منفردتان أمام المسجد ، وليس هناك أكثر من ذلك خارجها. وقد خرجت من باب المدينة المنورة للقيام بجولة في الريف فلم أر شجرة واحدة ، ولم أكتشف إلّا الصحراء العقيمة التي تمتد قاحلة وعارية من البحر إلى الجبال. ولا نجد بعض المزروعات والمساحات الخضراء إلّا على بعد ست أو سبع ساعات من المسير ، وذلك في ينبع النخل ؛ وهي تقع في واد كبير مزروع بنخيل التمر والقمح ، ويملك فيها السكان الأغنياء حدائق ومنازل ريفية ، يذهبون إليها على الحمير لأنه ليس فيها إلا عدد قليل من الخيول ، ويقضون فيها شهرا في السنة إبان موسم التمر. إن في ذلك الوادي الواقع في أسفل الجبال عددا / ١١٢ / من القرى يقارب اثنتي عشرة قرية ، بيوتها مبنية من الحجارة ، وهي ، إن صح التعبير ، أحسن بناء من بيوت المدينة نفسها ، ولكن ليس بدرجة كبيرة ، ويسكن في إحدى تلك القرى كبير مشايخ قبيلة جهينة الكبيرة ، التي ينتمي إليها سكان ينبع (٢). لقد ظلت قبيلة جهينة
__________________
(١) يقول بوركهارت في رحلاته ... ، موثق سابقا ، ص ٣٨٨ : «وتعد ينبع أرخص مدن الحجاز من حيث أسعار المؤن. ولأن ينبع فيها ماء طيب وتتبوأ موقعا يبدو أكثر ملاءمة من الناحية الصحية ، من موقع جدة ، لذا فقد كان المقام بها محتملا لو لا أسراب الذباب الهائلة التي تتخذ لها من هذا الساحل مأوى ، فلا أحد يخرج من بيته دون أن يحمل مروحة من الخوص في يده ليذب عن نفسه هذه الحشرات. ومن المحال أن يتناول إنسان طعامه دون أن يبتلع بعضا من هذه الحشرات التي تندفع إلى فمه لحظة فتحه. وتشاهد سحب منها تحوم فوق المدينة ، وهي تتخذ من السفن التي ترسو خارج الميناء مأوى لها ، وتظل على السفينة طوال الرحلة».
(٢) قال بوركهارت في رحلاته ... ، موثق سابقا ، ص ٣٨٤ ـ ٣٨٥ : «... وأهل ينبع أقل تحضرا من أهل مكة المكرمة وجدة ، وفي طباعهم خشونة ، ويسلكون بعض الأحياء سلوكا فظا ، إلا أنهم من ناحية أخرى أكثر انضباطا وأقل ممارسة للرذائل. وهم ـ