لقد ابتليت ينبع بأعداد هائلة من الذباب ، يغزو كل شيء ، أماكن البيع ، والبيوت والمساجد ، ويصل إلى المراكب التي ترسو في الميناء ، ويكثر في السوق على وجه الخصوص ، حتى إن السوق يكتسي باللون الأسود ، يهجم على الطعام والشراب والأشخاص. إنه كارثة يمكن مقارنتها بكوارث مصر السبع (١). ويكثر الذباب في البلاد التي تنتج التمر ؛ لأن كل ما هو حلو المذاق يجذبه ، ولكن / ١١١ / أشجار النخيل بعيدة عن المدينة ، ولا يمكن القول : إنها سبب مثل هذا الغزو ؛ وينبغي البحث عن سبب آخر : وإن سألت السكان الأصليين فإنهم يجيبونك جادين ، وهم يعتقدون ذلك ، أن ملك الذباب وملكته يسكنان في ينبع ، وأن الذباب يأتي من كل أنحاء العالم ليؤدي لهما فروض
__________________
(١) جاء في الكتاب المقدس (العهد القديم ، سفر الخروج ، الإصحاح ٧ ، ١٢) أن فرعون رفض السماح لبني إسرائيل بمغادرة «أرض العبودية» للذهاب نحو الأرض الموعودة. وأخذ موسى عليهالسلام على عاتقه بأمر ربه أن يخالف رغبة فرعون ، وأن يحاول ثنيه عن ذلك ودعا ربه فسلط على فرعون وشعبه كوارث هي حسب العهد القديم عشر : تغير ماء النيل إلى دماء وأصبح غير قابل للشرب خلال عدة أيام ، الثانية والثالثة والرابعة تعرض مصر لغزو الضفادغ والبعوض والذباب ثلاث مرات. وخامسا حل بالمواشي مرض جعلها تموت بأعداد كبيرة ، وحل بالناس سادسا مرض غامض جعلهم يصابون بالقرحة ، وهبت سابعا عاصفة شديدة أتلفت قسما كبيرا من المواسم. وأتلفت سحابات الجراد ما بقي منها ثامنا ، وخيم ظلام دامس على مصر تاسعا ، وأصبح المواليد الجدد يموتون جميعا عاشرا ، ويظن الباحثون أن ذلك حدث في عهد منفتاح الأول Mnephtah خليفة رعمسيس الثاني حوالي سنة ١٢٣٠ ق. م.
وقد تحدث القرآن الكريم بالقول الحق في ذلك ، إذ قال تعالى : سورة الأعراف ، الآيات من ١٣٠ ـ ١٣٤(وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (١٣٤)