منزلها بالعين ؛ لذلك نظرت إليّ نظرة ملؤها الحقد والخوف والرعب ، حتى إنني كنت سأصعق لو كانت النية تكفي لذلك. في الشرق لا نحدق في الأشياء أيا كان نوعها ، بيتا أم حيوانا ، أم شخصا ، أو حتى شجرة ، دون أن يصبح من يحدق مشكوكا فيه ، ويتّهم بأنه عائن.
كان حمالة القاهرة ينزعجون عند ما كنت أتوقف أمام البيوت التي كانت أبوابها أو شرفاتها تلفت نظري ، وقد جرّ علي فضولي الكثير من لعناتهم. / ١١٠ / أما في ينبع فقد رأيت مشهدا معاكسا لذلك المشهد الصامت مع العجوز ، كان هناك فريق من الأولاد ، وكانوا عراة ، وأكبرهم لا يتجاوز الرابعة من عمره ، وكانوا يقيمون حفلة صاخبة لم يقطعها وجودي بينهم. كان أحد الأولاد يقرع بضربات مزدوجة على دربوكة أكبر منه ، وكان الآخرون يرقصون وقد تحلقوا وسط الغبار. ولو أنني كنت بارعا في الرسم براعة ديكام (١) Decamp ، لكان باستطاعتي أن أرسم هنا لوحة تكون نظيرة لوحته المسماة : لحظة الانصراف من المدرسة العربيةLa Sortie d\'e ? cole arabe.
إن الدربوكة المستخدمة في مثل هذه الحفلات هي عبارة عن صحيفة مجوفة ، بيضوية الشكل أكثر منها دائرية ، مصنوعة من الطين الخشن الذي مدوا فوقه رقعة من الجلد. وإن هذه الآلة البدائية هي المرافق الذي لا يمكن الاستغناء عنه ، ووجودها أساسي في كل الحفلات العربية : نسمع صوتها في كل مكان ، لقد سبق لي أن سمعتها في أثناء اليوم على متن مركب محلي عائد من القصير ، وقد خرج أقارب القادمين الجدد وأصدقاؤهم للاحتفال بعودتهم احتفالا عامرا يستمر طوال النهار (٢).
__________________
(١) ألكسندر ـ غابرييل ديكام Alexandre ـ Gabriel Decamp رسام فرنسي ولد في باريس عام ١٨٠٣ م ، ومات في فونتين بلو (قرب باريس) عام ١٨٦٠ م ، قام برحلة إلى الشرق تركت آثارها في إنتاجه الفني ، وجعلته يتأثر بأطواء الشرق وألوانه وقسماته المميزة حتى أصبح يعد بين الرومانسيين ، وتناول موضوعات شرقية مثل المدرسة والسوق والجبال ، ويدين للشرق بأجمل لوحاته ومنها : لحظة الخروج من المدرسة.
(٢) قارن بما في كتاب : التراث الشعبي ... ، موثق سابقا ، ص ٦٩.