العمل ، مهما كان بسيطا. إلا أن بعضهم ، وهم قلة قليلة ، يمتهنون مهنا حضرية مختلفة : فقد استخدمت خلال إقامتي خياطا كشميريا ذا مهارة وصبر نادرين. لقد أحسست الحكومة البريطانية بالتأثر لهذه الهجرات السنوية ، ولكن سياستها لم تكن تسمح لها بمضايقة مواطنيها المسلمين في ممارسة عبادتهم ، واكتفت باعتبار القباطنة التجار مسؤولين عن إعادة الحجاج الذين يحملونهم إلى جدة. ونتج عن ذلك أن هؤلاء لم يعودوا يقبلون على أي سفينة إن لم يبرهنوا على أنهم قادرون على تأمين نفقات ذهابهم وعودتهم.
إن العمل الوحيد الذي يقوم به سكان جدة ، على الرغم من أنهم قوم مكرمون ، هو التجارة ، التي توفر المال نقدا ، والتي يغتنون منها على العموم. إن أغلب سكان جدة من أصول أجنبية ، وهم نشيطون ، وخبراء ، وإن حيويتهم البدنية ، وتوقد أذهانهم يتعارض مع الخمول الواضح والغبي لدى كثرة من الشرقيين ، وخصوصا الأتراك. إن لون بشرتهم أسمر شديد الدكنة ، يفرطون في اقتناء أدوات الزينة ، شأنهم شأن أهل مكة ، ويمكن قول الكثير عن ذلك. إن ملابس أهل المدينتين متشابهة تماما ، سواء ملابس النساء أم الرجال : فملابس هؤلاء الرجال الداخلية مصنوعة من الحرير المضلع ، ذي الألوان الجذابة ، وهي مشدودة على الخصر / ١٢٨ / بحزام كشميري ؛ ويلبسون فوقها عند الخروج ثوبا طويلا مفتوحا من الصوف الناعم ، يسمى البنش أو الجبة حسب الفصل ، وهي مصنوعة عادة في بغداد. أما رؤوسهم فيغطونها بطاقية بيضاء مزركشة ، يلتف حولها عمامة من الموسلين. والعامة لا يلبسون إلا ثوبا طويلا من الكتان الخشن.
أما النساء فإنني لا أستطيع أن أقول عنهن شيئا ، لأنني لم أر أيا منهن : وكل ما أعرفه أن بشرتهن أقل سمرة من بشرات الرجال ، وأنهن يقصصن شعورهن كالرجال باختلاف بسيط هو أنهن يزيّن شعورهن بسلسال من الذهب (١). وإن أولئك اللواتي نقابلهن من عامة الشعب في الشارع منقبات ،
__________________
(١) استخدم المؤلف هنا كلمةSequins ، وجاء في معجم روبير الصغير أن للكلمة أصلا ـ