حماسته بأقل في الحديث عن نبع يتمتع بخصوصية تكمن في أنه يساعد على هضم الطعام فورا ؛ لأن الأتراك حريصون كل الحرص على صحتهم. ويدّعي أيضا أن معرفته بالجزيرة العربية لا تقل عن معرفته ببلاده ، ومع ذلك فإنني لم أستفد منه شيئا ذا بال. استهل حديثه بمقالة فيها الكثير من الهذر والاضطراب عن طرقات الصحراء العربية وأقسامها ، ولم يفهم مترجمي ، ولم أفهم أنا من ذلك شيئا أبدا.
وإليكم بعض المعلومات التي أخذتها عنه ، أظنها أكثر دقة ، مع أنه من المرجح أن هناك شكا في صحتها وأصالتها. يوجد في مكان يبعد مسيرة ثمانية أو عشرة أيام عن جدة ، باتجاه الشرق مكان ، يسمى الدفينة ، فيه حجر عريض قديم مغطى بأشكال محفورة ، وهو مجهول الأصل. وعلى مسيرة عدة أيام في الاتجاه نفسه ، ترتفع جبال دائرية ومنعزلة تماما ، اسمها جبال مرّان ، وتنبع من سفوحها ٧٥ عينا. / ١٥٤ / وتحدث عثمان أيضا عن نبع آخر ماؤه يتحجر بمجرد احتكاكه بالهواء. أورد هذه المعلومات بعجرها وبجرها ، وأود من القارىء أن يخضعها لحسه النقدي ، أكثر من اعتبارها إشباعا لفضوله.
إن المعارف عن قلب الجزيرة العربية قليلة ، وليس لدينا عن سكّانه أيّ معلومات واضحة ؛ لذلك ينبغي أن يصغي المرء لكل ما يقال ، وأن يجمع كل شيء ، بشرط أن يستنتج بعد ذلك من هذا المزيج بعض جوانب الحقيقة.
لم يكن عثمان أغا يقيم في المعسكر ، كان يسكن في مركز المدينة منزلا يعج على الدوام بالضباط الأرناؤوط أو الأكراد في لباسهم العسكري الأصلي : وهو عبارة عن سرّة حمراء مطرزة بالحرير ، وسروال منتفخ معقود عند الركبة ، وحزام عريض فيه خناجر ومسدسات ؛ وكان كل ذلك يشكل لوحة حيوية جذابة جدا.
إن الجيش غير النظامي معفى من ارتداء الزي الذي فرضه السلطان محمود (١) على الجيش التركي. وليس ذلك الزي ، باستثناء الطربوش ، إلّا
__________________
(١) محمود الثاني (١٧٨٥ ـ ١٨٣٩ م) : سلطان عثماني تولى السلطنة بين عامي (١٨٠٨ م ـ