المدينتين المقدستين لكي يدعم بذلك نفوذه الخاص على العرب ويوسعه. وقد جاء موته المفاجىء ليفسد سلسلة تلك المؤامرات.
كان أمين بيك معارضا صلبا لحكومة الأشراف السابقة التي كان يأخذ عليها أنها تطبق نظاما غبيا في الابتزاز والجور من كل الأنواع ، وهو مأخذ غريب عند ما يصدر عن خادم لعباس باشا ، كان يذكر لي أشياء سيئة جدا عن الشريف الأكبر الحالي ، ويتهمه بالبخل والجشع ، ويقول إنه لا يوثق به ، ومخادع حتى المكر. ولكنني كنت أشك في هذا الحكم لعدد من الأسباب : أولها أن أمين بيك هذا صنيعة محمد علي ، الذي قوض حكم الأشراف ، ولمّا كان من أصل تركي ، فإنه كان بالطبع متشبعا بآراء سيده ، ويقاسم مواطنيه تحيزهم ضد السكان الأصليين. هناك كره متبادل ، ومتمكن وعداوة لا تقبل المصالحة بين الأتراك والعرب وبين العرب والأتراك. وإن المثل القائل : معاملة التركي للموريّ (١) Maure ، هي في هذه الحالة أكثر صحة من أي وقت مضى ، وكلمة مور هنا مرادفة لكلمة عربي.
كان العثمانيون باعتبار أنهم الغالبون ، يعاملون الشعب المغلوب بغطرسة ، وبطغيان / ١٥٧ / لا يمكن احتماله. أمّا العرب فإنهم ، من ناحيتهم ، جنس مستقل ومعتز بنفسه ، ويكنّون لحكامهم الغرباء حقدا لا يترك مكانه إلّا للاحتقار ؛ يغتاظون من جهلهم ، ويسخرون من طريقتهم السيئة في التحدث بالعربية ، ويأخذون عليهم أيضا ، أنهم لا يحسنون قراءة القرآن في المصحف ، وأنهم لا يعرفون أداء الصلوات بشكل صحيح. وإن غدرهم هو الذي يثير العرب على وجه الخصوص ؛ فهم لا يشيرون إليهم إلا باسم : الخونة ، وهم في هذا السياق يستهزئون بلقب «خان» الذي يحمله كبار رجال الدولة ، فيحولونه من اسم إلى فعل يدل على الخيانة ، وإليكم القصة التي يروونها في
__________________
(١) استخدم المؤلف هنا كلمةMaure وهي كلمة من أصل لاتيني Maurus وهي بالإسبانيةMoro أطلقت على سكان موريتانيا الحالية والمغرب ويسمون أيضا بالموريسكيين Mauresques ؛ انظر : كتابد. صلاح فضل ، ملحمة المغازي الموريسكية ، القاهرة ، ١٩٨٨ م.