هذا الموضوع. أخلف أحد السلاطين وعده لأحد العرب ، فما كان من هذا إلّا أن نعته بسلطان خان ، ففهم العثماني لجهله أن هذه الشتيمة لقب تشريف ، فأضافه إلى الألقاب الأخرى التي يحملها من قبل ، وأورثه لذريته. وإن كلمة «تركي» إهانة ، حتى لو خرجت من فم الأطفال ؛ وهم يتنابزون بها بينهم ، وينادون بها الكلاب ، كما هي الحالة في أوروبا حيث يطلقون على كثير من هذه الحيوانات اسم : ترك (١).
ونفهم من ذلك لماذا كان الباشا والشريف الأكبر مختصمين ، ويسود بينهم شقاق معلن. إن السلطات الخاصة بكل من صاحبي المنصبين المرموقين غير محددة بوضوح وينتج عن ذلك / ١٥٨ / خصومات أبدية ، ناهيك عن الكره المتأصل والسياسي بينهما. وكانا يستغلان عدم الوضوح في توزيع السلطات ليخدع كل منهما الآخر بكل الطرق الممكنة ، ويسلكا كل الوسائل السيئة التي يمكن تخيلها ، ووصل بهما الأمر إلى أن كلا منهما كان يأمر بسرقة رسائل الآخر الرسمية ، بل وبقتل سعاة البريد.
كانت هذه الخصومة المعلنة ، تجعلني في موقف حرج. كان الباشا يعلم عند ما وصلت إلى جدة أن هدفي هو الذهاب إلى الطائف ، مقر حكم الشريف ، ومركز سلطته ؛ لذلك وجد الباشا نفسه مترددا بين أن يشجع رحلتي أم لا ، وكان يخشى من أن يعرض نفسه للشبهات. ومع ذلك فقد عرض عليّ ، ولكن بلا حماسة ، حراسا لمرافقتي.
أما عثمان أغا الذي كانت ع داوته للشريف الأكبر أكثر استحكاما ، فإنه من جانبه وضع فرسانه تحت تصرفي. لم تكن مثل هذه الطريقة في السفر تناسبني ؛ إذ لم أكن أنوي المثول أمام الشريف الأكبر ، بصفتي رحالة يحميه أعداؤه ويفرضونه عليه ، ولكن بصفتي رحالة حرا ، ومستقلا تماما.
ولم تكن لدي أي رغبة في رؤية الشعب العربي والطباع العربية عبر الأتراك ، وخصوصا عبر الباشي بوزوق ، لذلك رفضت ما عرض علي بقليل أو
__________________
(١) انظر : رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٥٦ ـ ٥٧.