مكة المكرمة وملحقاتها ؛ الطائف وينبع وبعض مدن الحجاز الأخرى ، على استلام الخلعة السنوية ، والدعاء للسلطان في الحرم خلال الصلوات العامة. لقد كان هناك ، كما هي الحال اليوم ، باشا تركي في جدة ، ولكن سلطته كانت اسمية محضة ، حتى إن أبا الشريف الأكبر ما قبل الأخير (١) استولى لنفسه على عوائد الجمارك الموجودة في هذه المدينة (جدة) باسم السلطان ولحسابه. وقد حدث الشيء نفسه للقاضي الذي يتم إرساله سنويا من إستانبول لإقامة العدل ، والذي أصبح يتقاضى أجرا بلا عمل لأن القضايا كلها تعرض على الشريف(٢).
إن حكومة الأشراف ؛ / ١٦٩ / تتفق في أشكالها البسيطة مع طبائع الصحراء. فلم يكن هناك في أكثر الفترات ازدهارا أي حفلات عامة لتنصيب الأمير الجديد ، ويقتصر الأمر على أن يستقبل الأسر الكبيرة التي تزوره ، والتي تكون غالبا قد وقفت ضده ، بينما تعزف فرقة موسيقية أمام بابه ، كما هي العادة في بلاد إفريقيا ، ويدعو له الخطباء في المساجد. يخاطبه أفراد رعاياه منذ لحظة استلامه للشرافة ب «سعادتكم» وهو لقب احتفظ به الشريف الحاكم حتى اليوم ، ويطلقه الناس أيضا على كل الباشاوات ؛ وعند ما يخرج الشريف على حصانه ، يكون إلى جانبه فارس يحمل مظلة ؛ وليس في ثيابه ما يميزه في شيء من بقية زعماء أسر الأشراف ، ومجلسه خال من كل علامات الأبهة والفخامة ، ولم يكن هناك مراسم أو شكليات تفصله عن الشعب. وكان البدو ، وما زالوا ، يدخلون إلى قصره كما يدخلون إلى خيمة أي شيخ عادي من شيوخهم ، ويخاطبونه في أمورهم بكل حرية ، وبعفوية لا تكاد تجدها إلا عند سكان الصحراء. وإن الشريف الأكبر أمير مكة المكرمة ليس في حقيقة الأمر إلا شيخ قبيلة أقوى من الشيوخ الآخرين ، وإن سلطته ، مع أنها أكثر اتساعا من سلطتهم ، لها الصفة نفسها ، وتقوم على الأسس نفسها ، وتنبثق عن المبادىء
__________________
(١) كذا وربما كان المقصود الشريف غالب الذي تولى شرافة مكة في سنة ١٧٨٥ أو ١٧٨٦ م انظر : رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٥٢ ، ٥٣ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢١٥.
(٢) انظر : رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٢١٤.