نفسها. والشريف عند نفسه ليس أقل قدرا من السلطان نفسه ، ليس باعتباره أميرا ، وإنما باعتباره شريفا ؛ أي سليلا مباشرا للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وإن سلطته مع ذلك ، ليست سلطة تيوقراطية كما / ١٧٠ / هو شائع في أوروبا ؛ إنها سلطة دنوية خالصة ، تنتهي عند باب المسجد ، وليس لها أي تأثير في مجال العقيدة والعبادة (١).
ولا تقوم هذه الحكومة بالطبع على أي دستور ؛ لأن له أساسا أكثر صلابة ؛ فهي تصدر عن الشعب ، وباعتبار أنها نشأت على هذه الأرض فإنها وطنية ، ومتناسبة كل التناسب مع طبائع البلد وآراء أهلها ؛ ولهذا استمرت قرونا طويلة. لقد كانت بالتأكيد سببا في ظهور كثير من الدسائس ، وكثير من التجاوزات ؛ ولكن أي حكومة يمكن القول : إنها تخلو من كل ذلك؟ كان من النادر أن تترك الأسر المنافسة للأسرة الحاكمة الأمير الجديد يعتلي منصبه دون مناصبته العداء ؛ بل إن أقاربه المقربين يتّحدون في بعض الأحيان مع أولئك المنافسين ، ويقومون جميعا ، بعد تنصيب الشريف الجديد ، بتشكيل معارضة تتناسب مع قوتهم. ولكن المهزومين يكتفون في غالب الأحيان بالعيش منعزلين ، يبدون استياءهم من كل شيء على هواهم ، دون أن يتعرضوا لأي اضطهاد.
كانت الأطراف كلها تخوض هذه الحروب الأهلية ، وهي تحافظ على قدر كبير من الإنسانية والاستقامة ، كما هي الحال في كل حروب الصحراء ، ولم يكن يتبع النصر أي مظهر من مظاهر الانتقام.
إن طباع العرب رضيّة ، ويتجلى كرمهم الفطري في كل شؤونهم العامة والخاصة. ويمكن لنا الافتراض أن الأشراف من ذوي الحظوة ، والذين يتقلدون المناصب لم يكونوا على الدوام يحسنون التصرف بمخصصاتهم المالية ، وأن الأهواء الشخصية كانت تؤدي دورا / ١٧١ / في تصريف الأمور ،
__________________
(١) انظر : رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٢٠١ ـ ٢١٧ ؛ وانظر : صفحات من تاريخ مكة المكرمة ، موثق سابقا ، ج ١ ، ص ١٩٧ ـ ١٩٨.