ولم يتردد سعود عن الاعتراف في نهاية حكمه أن سوء الحظ الذي أصاب الوهابيين كان بسبب أخطائه (١). كان سعود مصدر السلطات كلها ؛ إذ جمعها في يده ، ولم يكن في زمن السلم يستشير إلا صفوة العلماء الذين ينتمون حصرا إلى أسرة مؤسس المذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب. كان سعود يعيّن المشايخ الكبار ، وكان لهم على الآخرين سلطة لم يكونوا أبدا يسرفون في استخدامها ؛ لأن سعودا كان حاذقا جدا ، ويعرف حق المعرفة طبيعة العرب فكان يداريهم ، ولا يحاول حكمهم بطريقة استبدادية ، لأن أي استبداد يثيرهم ، وقد كان تجنيبهم ذلك الثمن الذي يدفعه سعود لضمان سلطته عليهم. كان يرسل إلى القبائل الخاضعة لسلطته قاضيا يدفع هو أجره ، وكان مكلفا بإقامة العدل باسم سعود ، ويشدد عليه في الوصاة بألا يقبل أي أموال. ولا زالت نزاهة أولئك القضاة مضرب المثل في الجزيرة العربية. لقد كان / ١٨٧ / القانون الوحيد المتبع هو القرآن الذي يطبق بحذافيره بلا تأويل ولا تعسف.
ويمكن الاعتراض على أحكام القاضي كلها لدى الأمير ، وكذلك على كل أعمال الشيوخ ؛ مما كان يسهم في جعل هؤلاء وأولئك يستقيمون في أداء واجباتهم ، وفي التزام القانون.
كان سعود أيضا يرسل عمّالا لجمع الزكاة المخصصة لبيت المال ، وتتألف من العشور التي تدفع عينا ، ومن الغرامات ، ومن خمس الغنائم ، ومن ٥ ، ٢% من رأسمال التجار الذين ينبغي عليهم ، كما كان الحال في روما القديمة ، أن يوضحوا مقدارها مقسمين على صحة ما يقولون. أمّا القبائل المتمردة ، فقد كانت تعاقب بالنهب ، وكانت الأموال تذهب لزيادة الموارد العامة لبيت المال (٢).
__________________
(١) نقل بوركهارت في : مواد ... ، موثق سابقا ، ص ٦٤ ، عن سعود أنه كان يقول : «لو لا أعمالي وأعمال أصدقائي السيئة لوجد ديننا طريقه إلى القاهرة واستنابول منذ زمن طويل».
(٢) قارن ما قاله بوركهارت في : مواد ... ، موثق سابقا ، ص ٥٧ ـ ٦٤. وتعليقات الدكتور العثيمين.