ولا يمكن ، والحالة هذه ، أن يقوم الوهابيون بإلغائها. ولكن الوهابيين الذين أزعجتهم التجاوزات المتطرفة التي كان يمارسها الحجاج الأتراك ، أجبروهم على تصرف أكثر لياقة ، وردعوا بقسوة الفوضى التي كانوا يثيرونها (١). ولم يتعرض الحجاج المغاربة الذين كانوا أكثر تنظيما لأي مضايقات ، وكذلك الهنود وأفارقة السودان. وإن كانت قوافل الحج من بغداد ودمشق والقاهرة قد توقفت ؛ فإن سبب ذلك هو أن الباشاوات والقوات العثمانية التي ترافقها عادة لم يعودوا يجرؤون على المخاطرة بالسفر عبر المناطق التي يسيطر عليها الوهابيون الذين كان مجرد ذكر اسمهم يثير رعبا كبيرا بين أعدائهم.
كان السلطان العثماني قد عيّن في هذه الأثناء محمد علي ، الذي سيذيع صيته بعد ذلك في أنحاء العالم ، باشا لمصر ، وفرض عليه أن يخلص المدينتين المقدستين من أيدي الوهابيين الذين سيطروا عليهما. ولما تولّى محمد علي منصبه الجديد عام ١٨٠٤ م شغل / ١٩٢ / بالقضاء على المماليك ، ولم يفكر بتنفيذ أوامر السلطان إلّا في عام ١٨٠٩ م ، عند ما كلف ابنه الثاني طوسون بيك (٢) الذي كان له من العمر ثمانية عشر عاما ، ولكنه كان ذا شجاعة مجربة ، نادرة اليوم لدى العثمانيين ، وخصوصا في أسر الباشاوات ، كلفه ، قيادة حملة نزلت في ينبع عام ١٨١١ م. وكانت بداياته سيئة : إذ تقدم نحو المدينة المنورة (٣) التي كان الوهابيون لا يزالون يسيطرون عليها ، والذين هزموه شر
__________________
(١) قارن بما يقوله بوركهارت في : مواد ... ، موثق سابقا ، ص ٩٥. وانظر تعليق الدكتور العثيمين في الحاشية(٢).
(٢) يختصر ديدييه الأحداث اختصارا مخلا ؛ إذ إن محمد علي بدأ في عام ١٨٠٩ م يجهز بجد لحملته ، فبنى أسطولا من ثمان وعشرين سفينة مختلفة الأحجام ، وذلك في مياء السويس في أعوام ١٨٠٩ ، ١٨١٠ ، وبداية سنة ١٨١١ م. ورمم القلاع على طريق الحج بين القاهرة وينبع ، وهي عجرود ونخل والعقبة والمويلح والوجه ، ووضع فيها حاميات من المشاة ، وأنشأ مخازن للقمح في القصير. وبدأت الحملة في نهاية أغسطس سنة ١٨١١ م. انظر : مواد ... ، موثق سابقا ، ص ١٠٩ وما بعدها.
(٣) وصل الأسطول المصري إلى قرب ينبع في أكتوبر (تشرين الأول) ١٨١١ م وفي يناير ـ