كان الطريق من النبع إلى ذروة جبل كرا أكثر وعورة وخطرا ، وفي النهاية ، وبعد ثلاث ساعات أو أربع من هذا المسير الشاق ، وصلنا قمة الجبل ، وأصبحنا تحت أشعة الشمس التي كان الجبل نفسه يحمينا منها. إن أول ما يلفت النظر هو المجرى المائي الصافي الذي كان ينتظرنا على جانبه مفاجأة أخرى ، بل إكرام آخر. كان هناك في استقبالنا أحد أشراف المنطقة ممتطيا هجانا أبيض ، وكان معه في انتظارنا أيضا شريف آخر اسمه سليم ، يمتطي فرسا بيضاء ، أرسلهما الشريف الأكبر من الطائف مبالغة في إكرامنا. كان يلتف حولهم ستون / ٢٣٠ / من البدو ، من قبيلة هذيل المشهورة بالشجاعة ، وكانوا يرتدون ثيابا تشابه تماما ما كان يرتديه البدو في مقهى شداد ، وهم مسلحون أيضا بالخناجر والرماح والبنادق ذات الفتيلة. كانوا مشهورين بأنهم أمهر الرماة في الصحراء. لقد اصطفوا على طريقنا بكل الاحترام الذي يليق بضيوف أميرهم ، ولكن بغير نظام ، ولا انضباط ، وكأن كل منهم كان يفعل ما يحلو له ، وبإرادته الشخصية. حدث كل ذلك في صمت مطبق : لم يصدر عن البدو أي صيحة ، والشريفان لم ينبسا ببنت شفة ؛ واكتفيا بالسلام علينا كما يسلم الشرقيون بوضع اليد اليمنى على الصدر ، ثم على الفم ، ثم على الجبهة. رددنا السلام بالطريقة نفسها ، ثم قادانا بعد ذلك ، يرافقنا ستون من البدو ، إلى بيت مجاور أعدّ لنا.
كان اسم المكان الهدى ، وكان قد أسس المنزل أو يسكنه على الأقل أحد المارقين من أهل موسكو لم أستطع الحصول على أي معلومة عنه ، وعلمت بعد ذلك بالمصادفة في القاهرة من أحد اليونانيين ، وكان يعرفه ، أنه
__________________
ـ القرود به (جبل كرا) تصيح وتثب في أعالي تلك الصخور فتعجبنا من ذلك وأخبرنا أنها توجد في هذا الجبل ، وما سمعنا قط أنها بأرض الحجاز ، وإنما يقال : إنها تجلب من الشام والروم إلى مصر والحجاز». عن كتاب : الطائف ، جغرافيته ـ تاريخه ـ أنساب قبائله ، تأليف محمد سعيد بن حسن آل كمال ، ١٤١٦ ه / ١٩٩٥ م ، جمع وتعليق د. سليمان بن صالح بن سليمان آل كمال ، مكتبة المعارف بالطائف ، ١٤١٧ ه ، ص ١١٤.