الأكبر الذي ينهض هو بدوره له. وإذا أراد الشريف إكرام أحد زواره فإنه يحرص على ألّا يكون موجودا في المجلس عند دخول الزائر ، لكي لا يستقبله جالسا ؛ فهو لا يدخل إلّا بعده ، محافظا بهذه الطريقة على أصول اللياقة ، ومحتفظا أيضا بما يتميز به.
وقد جرت الأمور معنا بهذه الطريقة ؛ لقد خرج بعد لحظات قليلة من الغرفة المجاورة ، يرافقه عدد من الأشراف الذين جلسنا ولجسوا مثلنا ، والشريف أيضا ، على كراس أوروبية كانت ، والحق أقول ، غير مناسبة بعض الشيء في مثل هذا المكان. إن بداية الزيارة في الشرق تكون على الدوام صامتة ، ندخل ، ونجلس ، ونسلّم ، وكل ذلك دون أن ننبس ببنت شفة ، وبعد أن نتناول القهوة ، وليس أبدا قبلها ، يبدأ الحديث بالمجاملات المتبادلة ، وهي على الدوام المجاملات نفسها التي لا يمكن إغفالها ، وإلّا نخالف أصول الكياسة. وما إن انتهى هذا القسم الأول من الزيارة حتى انسحب الأشراف ، وبقينا وحدنا مع الشريف الأكبر ، ونحن ندخن جميعا غلايين طويلة في نهايتها العنبر ، أحضروها لنا بعد القهوة ، من غير أن يمنعهم ذلك من توزيع الحلويات التي تلت القهوة ، والتي كان يطاف علينا بها طوال وقت الزيارة. / ٢٤٧ / كان حسين عبد المطلب (١) بن غالب هو الشريف الأكبر ، وكان شيخا جليلا يبلغ
__________________
(١) كذا سماه ديدييه والمشهور أنه عبد المطلب بن غالب من ذوي زيد تولى الشرافة ثلاث مرات ، الأولى : في أغسطس (آب) ١٨٢٧ م / صفر ١٢٤٣ ه وتخلى عنها في العام نفسه ، وخلفه محمد بن عون ١٨٢٧ ـ ١٨٥١ م / ١٢٤٣ ـ ١٢٦٧ ه. وسافر إلى دمشق في عام ١٨٣١ م / ١٢٤٦ ه مع قافلة الحج الشامي ، ومنها إلى إستانبول. والثانية : في عام ١٨٥١ ـ ١٨٥٦ م / ١٢٦٧ ـ ١٢٧٣ ه ، وقد زاره ديدييه إبّان هذه الفترة ، وكان عبد المطلب اتجه إلى الطائف خوفا من تآمر باشا جدة عليه ، ونجد فيما يقوله ديدييه أصداء ذلك الخلاف بين الباشا والشريف. والثالثة : في عام ١٨٨٠ ـ ١٨٨٢ م / ١٢٩٧ ـ ١٢٩٩ ه ، وقد تم في نهاية هذه الفترة أسره في الطائف أولا ، ثم سمح له فيما بعد أن يعيش تحت الحراسة في أحد بيوته الكبيرة في البياضة بمكة المكرمة في الطريق إلى منى ، وبقي تحت الإقامة الجبرية إلى أن مات ـ