للوضع. لقد بدا لي منفتحا بقدر ما هو مستقل ، وإن كان لدي ما آخذه عليه فذلك أنه كان مدنيا أكثر مما ينبغي ، ومتأوربا أكثر من اللزوم. ولعل سبب ذلك أنه قضى أربعة وعشرين عاما من حياته في إستانبول قبل أن يسمح له الباب العالي بالعودة إلى الجزيرة العربية ، وأن يعيد إليه لقب أبيه غالب ، وعلى الأقل ، قسما من ثروة أبيه وسلطته.
لم أنس أبدا ، وأنا أحدثه ، وأستمع إليه ، أنني أتعامل مع عربي ، وليس مع تركي ؛ وأنه لا يستطيع باعتباره عربيا ، أن يرجو صادقا انتصار الجيش العثماني ، بل إنه على العكس تماما كان يأمل اندحار غزاة وطنه ، وأنه باختصار كان في دخيلته أميل إلى الروس منه إلى البريطانيين أو الفرنسيين. وحاولت أن ألمح تلميحات بعيدة وغير مباشرة إلى موقفه الخاص ، وموقف بلده : ولكنه لم يكن يود التنبه إليها ، وظل متمسكا في هذا الخصوص بتحفظ لم يتخل عنه ولو لحظة واحدة. وقد أثبتت الوقائع التالية أنني ، وعلى الرغم من حذره ، وصمته ، استطعت التعرف على ميوله الحقيقية.
كان بكل تأكيد قد بلغت أسماعه أخبار انقلاب الثاني (١) من ديسمبر (كانون الأول) ، وقد بدا كثير / ٢٤٩ / الفضول ليعرف مني حول هذا الحدث تفاصيل شاملة ، لقد أشبعت فضوله بالإجابة عن كل أسئلته ، وبإخباره خلال ساعتين كاملتين ، وباعتباري شاهد عيان ، بالقصة الكاملة تقريبا لتلك الواقعة المعاصرة. ولمّا انتهت زيارتنا الأولى عدنا إلى الطائف بطريقة القدوم نفسها ، ولقينا الاحترام نفسه من البدو الذين كانوا ما زالوا متجمهرين حول القصر ، ومن جنود الحرس التركي على باب المدينة. لقد كنت ، بخصوص الحرس
__________________
(١) في عام ١٨٥١ في فرنسا ، وحدث الانقلاب إثر خلاف بين رئيس الجمهورية الفرنسية الثانية المنتخب بالاقتراع المباشر عام ١٨٤٨ م وهو الأمير لويس بونابرت الذي كان على خلاف مع المجلس الوطني وتمخض الخلاف عن الانقلاب المذكور الذي حمل إلى السلطة دكتاتورا هو نابليون الثالث الذي حول الجمهورية بعد سنة من وصوله إلى الحكم (٢١ ديسمبر ١٨٥٢) إلى إمبراطورية وراثية. ويقول ديدييه إنه كان شاهد عيان على هذا الانقلاب.