التركي ، مندهشا من أنهم كانوا يقدمون لنا التحية خلال مدة إقامتنا كلها ، وهم تابعون للباشا ، وليس للشريف الأكبر الذي كان يتجنب أي احتكاك بهم. إذا ، لم يكن الشريف هو الذي يأمرهم بأداء التحية لنا ، وأجهل لمن كنت أدين بذلك التميز الذي لم يكن من حقي ، ولا أطمح إليه.
أقيم منزل أسرة شمس الذي نزلنا فيه على نمط منازل مكة المكرمة ، إلّا أنه أكثر صلابة وأناقة ، ويتألف من ثلاثة طوابق. الطابق الأرضي الذي سبق أن تحدثت عن موقعه ، وهو يستخدم في الأحوال العادية لاستقبال الزوار ، ولا تنزل فيه النساء أبدا. أما الطابقان الآخران فيتألفان من غرف ضيقة ، وسيئة الإضاءة ، وهي مخصصة حصرا للحريم ولكل ما / ٢٥٠ / يتعلق بهن من عبيد وخدم ، الخ. ويعلو البيت سقف محاط بجدار على شكل درابزين ، نشرف منه على المدينة كلها ؛ وهي ليست ضخمة ، ينتشر فيها عدة مئات من البيوت ، كثير منها نصف مهدمة ، وقد أقيمت دون نظام حول ساحة تأخذ شكل مربع طويل ؛ وهناك عدد من الدروب الضيقة المغبّرة ، يطلق عليها اسم شوارع ، وتخترق تلك المتاهات غير المنظمة.
كان هناك منزل واحد ؛ هو منزل الشريف السابق ابن عون (١) الذي كان حينها يعيش في إستانبول ، أقيم حسب مخطط معماري بسيط ، وهو ، مقارنة
__________________
(١) محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد المعين بن عون ، تولى الشرافة (١٨٢٧ ـ ١٨٥١ م / ١٢٤٣ ـ ١٢٦ ه) خلفا لعبد المطلب في شرافته الأولى ، وينسب إلى جده الأعلى فيقال محمد بن عون ، لأن جده هو مؤسس الأسرة الجديدة لذوي عون ، وفي عهده ١٨٣١ م / ١٢٤٦ ه أصابت الكوليرا سكان مكة المكرمة لأول مرة ، وخرج في عام ١٨٤٦ م / ١٢٦٣ ه لقتال الأمير فيصل بن تركي في الرياض (الدولة السعودية الثانية) الذي توفي عام ١٨٦٥ م / ١٢٨٢ ه. وقد تخلى محمد بن عون عن الشرافة طوعا عام ١٨٥١ م ليتولاها عبد المطلب بن غالب الذي أجبر على التخلي عنها في عام ١٨٥٦ م / ١٢٧٣ ه وتولاها محمد بن عون من جديد حتى عام ١٨٥٨ م / ١٢٧٤ ه ، وتوفي في مارس (آذار) ١٨٥٨ م / شعبان ١٢٧٤ ه. انظر : صفحات من تاريخ مكة المكرمة ، موثق سابقا ، ج ١ ، ص ٢٧٨ ـ ٢٨٨.