آخر ، فهي تمثّل لثقافة النص المترجم وثقافة النص المترجم إليه أيضا ، ناهيك عن عمليات أخرى معقدة تترافق مع الانتقال من نظام لغوي إلى نظام لغوي آخر ، لأن اللغة في واقع الأمر هي كالموقع الأثري تجد فيها عند التنقيب أخبار مستخدميها ، وتاريخهم ، ومعتقداتهم ، وعاداتهم ، وتقاليدهم مما ينبغي الانتباه إليه إذا أردنا ترجمة نصوص تنتمي إليها.
كان كل ذلك يجول في خاطري وأنا أقرأ نص ديدييه ، وحاولت في أثناء الترجمة أن أنقّب في نصه عما يريد قوله ، وكنت أنقب في العربية أيضا لأجد مقابلات نص ديدييه ، لكي لا يكون الفتى العربي في الترجمة غريب الوجه واليد واللسان.
لم أكتف بالترجمة ، وإنما علّقت عليها بما يزيدها وضوحا ؛ فعرّفت بأشخاص الرحلة ، وما غمض من أمكنتها وحوادثها ، ووثقت النصوص قدر الطاقة من كتب الرحالة الآخرين ، وأحلت إلى القرآن الكريم في الموضوعات الدينية لتتضح الحقيقة في كتاب الله. ورأيت من المناسب أن أثبت في متن النص المترجم صفحات الأصل الفرنسي للرحلة فوضعتها بين / / لتسهل المقابلة بالأصل ، وليسهل اختبار دقة الترجمة على من أراد.
كتبت الأسماء الأجنبية بالعربية ، وبلغتها الأصلية عند أول ورود لها ، وتحققت من أسماء الأماكن بالاعتماد على المعاجم الجغرافية ، وقد لقيت من ذلك عنتا سببه أن ديدييه لم يكن يحسن العربية ، وكان يكتب الأسماء كما يسمعها من أصحابها الذين كانوا لا يراعون في الغالب النطق الفصيح فالسكارى يكتبهاAl ـ Sakara والمهر يكتبهاAl ـ Mahr. أما الحروف الحلقية فيتخبط في كتابتها تخبطا كبيرا. وقد أشار هو نفسه إلى صعوبة كتابتها (١) ، ناهيك عن الأخطاء المطبعية عند ما يتحول : صبح ، إلى Loubh ، ولقيم إلى
__________________
(١) انظر : ص / ١٠٤ / من النص الأصلي حيث يقول : «... ليس من السهل نقل الحروف الحلقية في العربية إلى الحروف الفرنسية ، وخصوصا إذا كنا لم نرها مكتوبة أبدا».