قدم لنا الفطور في سرادق مفتوح ، غارق في حضن الخضرة ، وجعلنا سحر هذا المكان الرطب نبقى فيه أكثر مما ينبغي للمسافرين ، ثم غادرناه متأخرين. كان علينا بادىء ذي بدء أن نعبر أحد المراعي أو ما يسمّى بذلك في الجزيرة العربية ، وهو سهل رملي فسيح ، تنتشر فيه طاقات من الأعشاب التي كانت في ذلك الوقت يابسة من الشمس ؛ ونجد في تلك المراعي بعض الأغنام والماعز التي ترعى وحدها. وتبدو هنا أو هناك قرية للرعاة المستقرين تنتشر بيوتها في ذلك السهل. ويسمّى هذا البلد كله حزم القميع (١). وينتهي السهل قريبا ، وندخل في منطقة جبلية جرداء فيها أودية مثل : وادي طلح ، ويتلوه وادي النبيعة. وكلما توغلنا في المسير أصبح المكان أكثر وحشة وكآبة ؛ فيتعرّج الطريق بين المرتفعات الجرانيتية القاحلة التي أحرقتها الشمس ، أمّا الصخر فهو قاس ، ويكتسي لونا أمغر ، وتلتمع فيه الميكا (٢) Mica وكأنها شذور الجوهرة. ومع أن الشعب كثير الحجارة فإن السير فيه كان في البداية سهلا ، ولكنه ينخفض فجأة ، ويصبح الطريق منحدرا انحدارا عموديا إلى قعر هوة ، كان هذا الممر المسمى ريع المنحوت بفضل الله قصيرا ، ولكنه كان من الصعوبة بمكان. ولم تكن الهجن لتستطيع السير فيه إلّا بصعوبة كبيرة ، وكانت تنزلق في كل خطوة على / ٢٧٠ / الصخور الناتئة أو المتحركة. مع ذلك فإنني لم أهن سحابة ، وهو اسم الهجان الذي كنت أركبه ، بالنزول من على ظهره ، بل بقيت بشجاعة على الرحل ، ولم أندم على ذلك.
وصلنا كلانا ، الهجان وأنا ، سالمين إلى أسفل الهوة ، ولم تكن بقية القافلة أقل حظا منا ، ولما تجاوزنا تلك العقبة ، دخلنا في ريع أكثر تناسبا مع
__________________
(١) كتبت في الترجمة الإنجليزية لرحلة ديدييه ، موثق سابقا ، ص ١٣٧HAzm al ـ Qumayyah وفي أصلنا الفرنسي Hazm ـ el ـ Ko ? me ? e وهو الصواب.
(٢) الميكا أو الميكة : هو أحد مكونات الجرانيت ، وكان العرب يسمونه «بلق» ، انظر : معجم المصطلحات العلمية والفنية والهندسية (إنجليزي ـ عربي) إعداد أحمد الخطيب ـ مادةMica عن حاشية رحلات بوركهارت ... ، موثق سابقا ، ص ٦٥ ، الحاشية (١).