قدرة الإنسان هو : ريع الزلالة. وقد كان هذا المكان في سالف الأيام يثير رعب المسافرين ، الذين كان بدو قبيلة عتيبة يهاجمونهم فيه ، ويسلبونهم أمتعتهم ؛ وعتيبة (١) قبيلة قوية ، ومحبة للحرب ، تنتشر في الجبال الممتدة جنوب الطائف حتى المدينة المنورة. ويمكن لها أن تستنفر ثمانية آلاف فارس غالبيتهم مسلحون ببنادق الفتيلة ، وهي لاتني تغزو جيرانها. وعلى الرغم من أنها ما زالت تتقاضى خوة من القوافل التي تعبر أرضها ، فإن سلطتها لم تعد تمتد إلى هذه المنطقة ، ولم يخطر ببالي أبدا أن يعرض لنا عارض خطر لأننا كثر أولا ، ولأننا ضيوف الشريف الأكبر ، ونحن في حمايته ، سواء كنا في جنابه أم بعيدين عنه.
ينتهي الريع بواد واسع يسمى السيل ؛ وهو قاحل ، ورملي ، وقد أحرقته الشمس. وكانت تنتظرني فيه مفاجأة : إذ ما كدنا ندخله ، ونسير فيه بعض الأميال تحت شمس حارقة ، وجو خانق ، حتى وجدت نفسي دون سابق إنذار ، وكأنما بفعل السحر على حافة / ٢٧١ / نبع غزير ، وصاف ، ينبجس من الرحل ويتدفق بغزارة ، وتنتشر حوله نضارة عذبة. ويوجد بالقرب منه نطاق واسع من الصخور المنحوتة بزوايا مستقيمة ، ولا تكاد تظهر على وجه الأرض ، ومرتبة بتناسق وكأنها مدرجات.
وإننا لنخال أن يد الإنسان امتدت إليها بالتنظيم ، وسيكون من السهل ، بقليل من الخيال المبدع أو حسن النية ، أن نرى في هذا المدرج الطبيعي عمل شعب بائد من العمالقة الذين كانوا قبل الطوفان. ولم نكن لنعفي أنفسنا من التوقف في هذا المكان المعدّ أحسن إعداد : لقد توقفنا فيه وقتا أطول مما ينبغي ، وأخرجنا للمرة الأولى المؤنة التي حمّلونا إياها في الطائف. ولما أذّن العصر هب الأشراف إلى الوضوء والصلاة وسط القوم ، وكانوا على سجاجيد الصلاة يركعون ويسجدون بخشوع كما لو كانوا وحدهم. ولا يخجل
__________________
(١) انظر عن قبيلة عتيبة كتاب : الطائف ، جغرافيته ـ تاريخه ـ أنساب قبائله ، موثق سابقا ، ص ٨٦ ـ ١٠٣.