المسلمون من ذلك في هذا الخصوص ؛ فهم يبادرون إلى ممارسة أركان دينهم في أي مكان كانوا ، ومع كائن من كان. وانضم إلى الشريفين اللذين رافقانا من الطائف ثالث ، ولم أعد أدري في أي مكان حصل ذلك ، كان ما يزال حدثا ، لم يكد يتجاوز سن الطفولة ، وليس له من العمر أكثر من أربعة عشر عاما ؛ كان اسمه أحمد ، وكان يمتطي جوادا أشهب جميلا. ولم تقم بيني وبينه أي علاقة ، ولست أدري هل هو الخجل؟ أم كوني نصرانيا ، هو الذي أبقاه بعيدا عني. أما العجوز عبد المطلب فقد كان أقل عزلة ؛ ووعدنا / ٢٧٢ / بالتوقف في منزله عند ما نمر به ، واتفقنا على أن نمكث لديه يوما كاملا ، وعرض أن يدعو على شرفنا عددا من جيرانه الأشراف. ولكن هذا المشروع لم يكتب له النجاح ، كما سنرى بعد قليل.
إن وادي السيل محاط بالجبال في كل الاتجاهات ، ويحدّه من الغرب هرم ضخم من الجرانيت المقوض بعضه فوق بعض ، والذي تتراكم صخوره فوق بعضها ، راقدة هنا منذ آلاف السنين ، وكأنها خرائب الصروح العملاقة. رأيت في هذا المكان راعي الصحراء الحقيقي ، وأعني قطيعا من النوق مع صغارها ، وكان أحدها ، وقد ولد في اليوم نفسه ، محمولا كالطفل الصغير بين ذراعي أحد الرعاة. لقد استقبلنا هؤلاء الرجال الشجعان استقبالا حافلا ، وقدموا لنا لبنا كثيرا في صحفات من خشب. وكان وسط السهل بدوي أرخى العنان لجواده واقترب من هجني ، ليس ليضربني بسيفه ، ولكن من أجل أن يلمس يدي ، ومددتها له بطيبة خاطر ، ولمّا قبض عليها حياني على الرغم من كوني غير مسلم بقوله : السلام عليك ، وهي تحية يتبادلها المسلمون بينهم. ولعل القرّاء الفرنسيين قد تعرفوا في هاتين الكلمتين العربيتين (السلام عليك) الأصل الاشتقاقي للكلمة الفرنسيةSalamalec (بمعنى السلام عليك).
كنا في هذه الأثناء نسير بحذاء أسافل جبل / ٢٧٣ / في غاية القحط ؛ إنه جبل يسومين (١) ، وكان هناك جبل آخر ليس أقل قحطا منه هو أم
__________________
(١) كتبه ديدييه Djebel ـ Yassoumaine ? ، جاء في معجم معالم الحجاز ، ج ١٠ ، ص ٢٢ : ـ