باسمه لفاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوسلم ورضياللهعنها ؛ إذ يروى أن النبي صلىاللهعليهوسلم قدمه لها صدقة عند ما زوّجها عليا رضياللهعنه. ولمّا كان الأشراف ينحدرون منها عبر ولديها الحسن والحسين رضياللهعنهم فإنهم يكنون لهذا الوادي الغني ، والخصب ، وللريف الذي يتبعه ، ويستعير منه اسمه ، اعتبارا خاصا. ويتخذ منه كثير من الأشراف دار إقامة ، ومنهم الشريف اللطيف حامد. ترجلنا من على ظهور المطايا عند باب أحد المنازل الذي كان أصحابه ينتظروننا ، ولكنني لم أدخله لأن الشريف حامدا قادني مباشرة إلى بستان مجاور ، اسمه النص El ـ Noss ، حيث هيأ لي مفاجأة.
لقد كانت مفاجأة سارة ، ومن ألطف ما يمكن أن يكون ، لأن / ٢٧٩ / المشهد لم يكن البتة منتظرا ، ولم أكن قد رأيت أجمل منه منذ زمن طويل ، وفيه بعض أوصاف الجنة كما بينها الله تعالى في القرآن الكريم. ولم يكن ينقص هذا المكان إلّا الحوريات لكي يستوفي كل أسباب الكمال. كان يتعرج عبر هذه الجنة الصغيرة جدول ماء غزير وصاف ، على أرض مملوءة بالحصى الأبيض ، وكانت تعرجات الجدول الأنيقة تختفي في كثير من الأماكن تحت العشب الطويل المتشابك. وتزدهر فيه بروعة ، وتتآلف بدقة ، أشجار البرتقال ، والنخيل ، والموز ، وغيرها من أشجار المناطق الاستوائية ، إنها تختلط ، ويقترب بعضها من بعض ، حتى إن أشعة الشمس القائظة لا تستطيع اختراق ظلالها لشدة كثافتها وعدم نفوذيتها ، وتسود فيه في قلب الظهيرة برودة لذيذة. لم يكن هناك ما يمكن أن ينتزعني من محيط الخضرة الذي أستحم فيه ، كنت مستلقيا قرب جدول الماء تحت شجرة موز (١) كانت أوراقها العريضة بمثابة مظلة فوق رأسي ، وتتدلى من حولي كما لو أنها عدد من المراوح ، كنت أود تناول طعام الغداء تحتها ، والبقاء هنا طوال النهار. ونفهم عند ما نرى هذه الشجرة التي لا مثيل لها ، لماذا يجلّها الهندوس إجلالا عظيما ، ولماذا
__________________
(١) قال البلادي في معجم معالم الحجاز ، ج ٤ ، ص ١٥٠ ، الزيمة : عين ثرة عذبة الماء بوادي نخلة اليمانية ... وهي مشهورة بجودة الموز ، ويغرس إلى جانبه النخل والفواكه. يمر بها طريق مكة إلى الطائف المار بنخلة اليمانية على (٤٥) كيلا.