بصوت خافت : «خمسة وسبعون / ٢٧٧ / عاما ، وأنا على ظهر البسيطة ؛ لقد حان الوقت كي ألحق بأسلافي. وأود أن أموت في بيتي بين أهلي وعشيرتي ، وإن كان القضاء غير ذلك فلتتحقق إرادة الله! وإنني راض بما قدره من قبل. أينما يمت المسلم فإنه يذهب إلى الجنة ؛ إذا كان قد التزم خلال حياته بما شرّعه الله في القرآن الكريم ، وأنا التزمت بذلك طوال حياتي بقدر ما يستطيع الإنسان الضعيف أن يفعل ذلك ، وإن حصلت مني مخالفة فذلك بسبب ضعفي ، وليس أبدا بنية عصيان الله ، وأرجو إذا أن يرحمني ، لأنه الرحمن الرحيم».
لم يقل المريض هذا الكلام متتابعا ، وبصورة خطاب كما ذكرته ، ولكنه كان في الغالب متقطعا بآلام المرض. كنا نحيط به ، والحزن يملأ نفوسنا لحاله ، ولكن لم يكن بوسعنا القيام بأي شيء لمساعدته ؛ إذ لم يكن معنا طبيب ولا صيدلي ، ولعل ذلك بالتحديد ما أنقذه. ولمّا تراجعت نوبة الحمى قليلا أصبح بالإمكان وضعه على ظهر هجانه في وضعية مريحة ، ليستطيع تحمل وعثاء السفر. كان الشريف الصغير الذي أظنه من أقربائه المقربين ، يرافقه مع بعض رجال مرافقتنا. وكنت في غاية الرضا عند ما علمت في اليوم التالي أنه وصل إلى منزله في حالة أفضل بكثير من حالته عند ما غادرنا ، إذ لم يكن قد شفي تماما. وبذلك فشل / ٢٧٨ / مشروع زيارته في بيته خلال مرورنا بديرته.
وكان الشريف الثاني الذي جاء معنا من الطائف قد غادرنا لتنفيذ مهمة المصالحة التي كلفه إياها الشريف الأكبر ، ولم يبق معنا من الأشراف الأربعة الذين كانوا برفقتنا في مساء اليوم السابق إلّا الشريف حامد الذي ظل حتى ساعة الرحلة الأخيرة ، كما كان عليه في ساعتها الأولى ، رجلا لطيفا ، وظريفا ، وحريصا ، وأكثر الرجال كياسة.
انطلقت القافلة أخيرا ، ولكننا لم نسر وقتا طويلا لأننا بعد ساعة على الأكثر توقفنا في سولة ، وهي قرية أحسن بناء من الزيمة ، وبيوتها أكثر تجمعا من بيوت الزيمة. يبدأ هنا وادي فاطمة المشهور في الحجاز ، وهو ينتج الخضار التي تستهلكها مكة المكرمة وجدة. إنه متسع كل الاتساع ، ويدين