كنت في أرض أعرفها ، ولم يحدث في اليوم التالي ما يهمني. لقد رأيت من جديد خلال مرورنا خيام الباشي بوزوق ، وقد وجدنا أنفسنا بعد مسافة قصيرة وسط زمرة منهم كانت تعود إلى معسكرها. وكان الشريف حامد لا يود لقاءهم ، ولكن تجنبهم كان مستحيلا / ٢٩٠ / ولم يكن في اللقاء على أية حال ما أزعجنا : فقد كانت علائم الذل تبدو عليهم ، وهم عادة متغطرسون ، وبدوا مؤدبين ولو قليلا. ويبدو أن سبب ذلك ما أخبرونا به من أن سنجقهم (قائدهم) كرد عثمان أغا قد عزل ؛ إذ كانت عداوته للعرب عموما وللشريف الأكبر خصوصا معروفة ، وكان عزله بالنسبة إليهم نصرا حاسما. كان الخبر صحيحا بدليل أننا قابلنا في مقهى البياضة ، وهو المكان الذي أصبت فيه بالحمى في بداية الرحلة ، بديل عثمان ، وكان يذهب لاستلام منصبه على صوت الطبلة التي يستخدمها الجنود غير النظاميين في مسيرتهم ، وكانت حاشية ضخمة وباهرة ترافق القائد الجديد. ولمحنا عند الظهيرة البحر في الأفق. كان الجو قائظا مع أن الهواء كان عاصفا ؛ ولم يكن ليحمل أية برودة ، بل كان يلفح وجوهنا بلظى النار ، ويثير حولنا سحابات من الرمال. ومع أننا كنا قريبين كل القرب من المدينة فإننا توقفنا طويلا في الرغامة حيث ودعنا قبل اثني عشر يوما أصدقاءنا في جدة. والرغامة مكان كئيب كل الكآبة ، وقبيح كل القبح ، ولكن المصادفة جعلتنا نجد فيه لبنا لذيذا منعشا. وكان هناك أحد الجنود غير النظاميين ، تأخر عن زملائه ليريح حصانه ، وقد لقينا منه / ٢٩١ / ، وهو أمر غريب ، عناية فائقة.
إن عزل كرد عثمان أغا قد أذلّ أولئك الأجلاف. أدى الشريف حامد بالقرب مني بخشوع صلاة العصر ، ثالثة الصلوات ؛ ولمّا انتهى من صلاته حملنا عصا الترحال ، ودخلنا جدة قبل الرابعة عبر باب مكة المكرمة. كنت في اليوم التالي حريصا بالطبع على زيارة الشريف حامد في بيت مصطفى أفندي ، وكيل الشريف الأكبر ، وقد وافقا على دعوتي لهما لتناول العشاء ليودع بعضنا بعضا ؛ وذلك في سكني المؤقت ، ودعوت أيضا السيدين كول ودوكيه ، وصديقي خالد بيك بن سعود الذي كانت سعادتي حقيقية برؤيته من جديد.