صفورة ، لم نر أحدا آخر في هذا المكان المشبوه ، ولم أر رجلا واحدا ، لا في القرية ولا في نواحيها. وتأتي بعد هذه القرية ، قرية أخرى اسمها بوجاري Bougari ، سيئة السمعة كسابقتها ، وهناك أدركنا الشريف حامد يسوق هجانه مسرعا. واستمر بنا السير إلى وقت متأخر في وسط الظلمة التي كان الهلال يخفف منها بضوئه السحري ، وقضينا الليلة في مقهى حدّة. كنا بذلك قد وصلنا إلى النقطة التي يلتقي بها طريقا الطائف بعد التفاف طويل لكي نتجنب الاقتراب من مكة المكرمة أو رؤيتها حسب التعاليم الإسلامية.
أغمضت عيني بعض الوقت لأننا كنا محاصرين بالجرذان وغيرها من زوار الليل التي لم تكن أقل إزعاجا منها ، لأنها كانت تختبىء في حصر المقهى ، وكنت أسمع طوال الليل أصوات مرور القوافل التي يعلق بعضها أجراسا بأعناق رواحلها ، وهي عادة وجدتها بعد ذلك / ٢٨٩ / في سمرن (١) Smyrne ، في موسم جني العنب. كانت هذه الطريق هي طريق جدة إلى مكة المكرمة ، وكانت القوافل كلها تتوقف ، ولو لحظة في حدة ، وقد كان فيها عند ما طلع النهار عدد كبير من المسافرين ، وكان بينهم مفرزة من جنود المدفعية الأتراك ، وقد كان السيد دوكيه يعرف قائدهم : قدّمت له قهوة الصباح ، وعلمت منه أنه يتوجه إلى مكة المكرمة ليأخذ أحد المدافع الحربية ويتوجه بها إلى الشريف الأكبر ، وكان هذا الأخير قد طلبه من الباشا لاستخدامه في تأديب إحدى القبائل المتمردة.
ولمّا كان الشريف الأكبر لا يملك لا مدفعية ، ولا فرسانا ، ولا جنودا منظمين فإنه كان مجبرا ، على غير رغبته كما نظن ، أن يطلب ذلك من السلطة العثمانية كلما كان بحاجة إليه لإخضاع القبائل التي يحكمها أو من المفترض أنه يحكمها ، والتي تتمرد عليه. وينتج عن ذلك أنه لا يلجأ إلى القوة إلّا عند الحاجة الشديدة ، وبعد أن يستنفد كل وسائل الصلح.
__________________
ـ إفراتةEprath «بيت لحم» بعد أن وضعت مولودها الثاني بنيامين فنصب يعقوب عمودا على قبرها وهو عمود راحيل إلى اليوم (سفر التكوين الإصحاح ٣٥ : ٢٠).
انظر : معجم ديانات وأساطير العالم ، موثق سابقا ، ٣ / ١٧١.
(١) مدينة في تركية.