مقابل ذلك تعرفت على عدد من أشراف المنطقة جاؤوا لزيارتنا. كان بعضهم ما يزال يافعا ، وبعضهم الآخر / ٢٨٧ / في سن متقدمة. كان لأحد هؤلاء المتقدمين في السن لحية بيضاء موقرة كل الوقار ، وإذا حكمنا بما لقيه من الاحترام ، فقد كان من ذوي الاعتبار ، إلّا أنني لم أستفد منه ، ولا من أضرابه أي فائدة. إن العرب متحفّظون كل التحفظ مع الأجانب ، بل هم كذلك بينهم أيضا ، ونتج عن ذلك أن حديثنا لم يكد يخرج من إطار المجاملات والعموميات. أتعرفون ما الذي يدهشهم عندنا؟ إنها أقلامنا التي تكتب بلا مداد ، وكبريتنا الكيمائي الذي يشتعل بلا نار.
لقد ألح مستضيفنا الكريم إلحاحا كبيرا ليجعلنا نبقى في ضيافته إلى اليوم التالي على الأقل ؛ ولكن لطفه كان يقتضي الفطنة منا ، وألححت لكي ننطلق في اليوم نفسه. وانطلقنا بالفعل في الثانية ظهرا ، في أكثر أوقات النهار قيظا. لم يستطع الشريف حامد أن ينطلق في الوقت نفسه بسبب بعض الزيارات ، وبعض الظروف القاهرة ، واستقر الأمر على أن يلحق بنا في المغرب.
وما كدنا نخرج من المنزل حتى سلكنا مضيقا منحدرا وعرا ، يضيق شيئا فشيئا بين جبلين عموديين ، وهناك أرصفة صخرية ضخمة على وجه الأرض تجعل الممر شاقا وزلقا. ولجنا في آخر النهار سهلا واسعا ، سيّىء السمعة ، مما جعل أحمد حمودي الذي كان يقود القافلة في غياب الشريف ، ويظل خلفها ، يلتحق بنا / ٢٨٨ / عند ما اقتربنا من قرية : أبو شعيب التي يشاع أن سكانها لصوص مهرة ؛ إنها مثل الزيمة تتألف من عدد من البيوت المتفرقة التي يشرف عليها حصن صغير متهدم ، وهناك على جانب الطريق بئر مطوية ، كانت بعض النساء يمتحن الماء منها ؛ لأنهن في الصحراء المسؤولات عن هذا العمل ، ونرى في الكتاب المقدس (العهد القديم) أن الأمر كان كذلك في عهد آباء الجنس البشري ؛ فعلى البئر قابل يعقوب راحيل (١) Rachel ، وموسى
__________________
(١) ابنة لابان Laban الصغرى في الكتاب المقدس (العهد القديم) ، أحبها يعقوب ، وكانت إحدى زوجاته وأنجب منها يوسف وبنيامين ... وماتت راحيل في طريق ـ