تلك هي النهاية الحتمية لذلك الحيوان الأثير الذي يصلح كل الصلاحية للمكان الذي ولد فيه. وبعد أن رأيت هدوءه وشجاعته وخضوعه فإنني أسميه بكل طيبة خاطر : شهيد الصحراء وليس سفينة الصحراء.
لقد صادفنا في ذلك اليوم ، وفي الأيام التي تلته عددا من القوافل القادمة من الحجاز وهي تحمل الصمغ والتمر الهندي والرقيق الذي يؤتى به ليباع في سوق القاهرة ؛ وكان هؤلاء المساكين مربوطين مثنى مثنى على الرحال ، وكانوا في ميعة الصبا ، ولونهم أسود يتفاوت في شدة السواد ؛ وقد جيء بهم من حدود دارفور ، ومن الحبشة ، وكان التجار الذين يسمون (جلاب) يأتون بهم أولا إلى جدة عبر سواكن والبحر الأحمر ، ولا يحملون إلى مصر إلا أولئك الذين لم يستطيعوا بيعهم بسعر رابح في الجزيرة العربية. وكان في إحدى تلك القوافل / ١١ / امرأة من سكان مكة المكرمة كانت ترتدي ثيابها الفاخرة التقليدية ؛ كانت على ظهر جملها تعلو عن الأرض سبعة أقدام ، وتحميها من الشمس مظلة بيضاء كبيرة ، وكانت محجبة بإحكام كما ينبغي على أية مسلمة ملتزمة. ومع أنها جاءت من مكة المكرمة ، وولدت فيها ، فإنها لم تجد حرجا من الكشف بإدلال عن وجهها عند ما مرت بنا ، لقد كانت جميلة وشابة. لقد كان فيما فعلته مخالفة دينية ، ولكن ما يغفر لها ذلك هو أننا من (الجاورين Giaours) الكفار.
ولا بد من الإشارة ، لكي تكتمل لائحة المقابلات في ذلك اليوم ، إلى عمّال البريد الذين كانوا ينهبون الطرق تاركين العنان لخيولهم التي كانوا يستبدلونها بسرعة في كل محطة ، وكانوا يقطعون المسافات بينها بسرعة ، كانوا يسبقوننا أو يمرون بقربنا بسرعة البرق فلا نكاد نراهم حتى يختفوا عن الأبصار. تسير الجمال بسرعة أقل ولكن إلى مسافات أطول.
كانت أعيارنا القوية تسبق الجمال التي لا تقطع إلا ميلين أو ميلين ونصفا في الساعة ؛ لذلك توقفنا في منتصف النهار لمدة ساعتين للاستراحة وانتظار القافلة ، لقد بدأنا ونحن مستلقون على الرمال على قارعة الطريق الرئيسي بالإعداد لتناول غداء تقشفي ، كان يعتمد أساسا على البرتقال الذي اشتريناه من البائعة المسكينة في المحطة رقم (٤). / ١٢ / وكانت أسراب الغربان والصقور