فإن بعض علماء الاشتقاق الجريئين يرون فيه تحريفا لكلمة : Oasis التي تعني بالعربيّة : الواحة. فإن كان الأمر كذلك ، فإن هناك تباعدا بين الاسم والمسمّى : لأن السويس بعيدة عن أن تكون واحة ؛ إذ ليس فيها شجرة واحدة ، ولا خيط ماء رفيع ، وليس هناك ما هو أكثر قحطا منها ، ولا ما هو أكثر كآبة منها. إنها أرض ضيقة محصورة بين البحر والصحراء ؛ وهما محيطان يغزوان الأرض ويحطمانها ، وهي تكافح بصعوبة ضد هذين العدوّين المخيفين.
فالبحر يشق ويقضم بلا كلل ولا ملل ، الرأس الترابيّ الذي تقع عليه ، أما الرمل فيزحف إليها في كل يوم ، ولم تعد تتسع / ٢٤ / إلا بصعوبة للأربعة أو الخمسة آلاف نسمة الذين لم يغادروها (١). إن من يقرأ عدد السلع التجارية التي تفخر السويس بأنها مركز تجمعها : كالمعادن ، والنسيج من أوروبا ، والحرير والتوابل من الهند ، منتجات مصر والجزيرة العربية ، والرز والصوف ، والعطور والجواهر والبن اليمني ـ يتوقع أن يجد مدينة مزدهرة في إمبراطورية الخلفاء التي تحدثنا عن روعتها ألف ليلة وليلة.
ليس هناك شيء من ذلك. فكل تلك السلع الثمينة تعبرها ليس إلا ، دون أن تتوقف إلا في محطات الصحراء ، وإن تجارتها البائسة ، تسيطر عليها جماعة من الوسطاء اليونانيين الذين لا يعملون لحسابهم. أما السويس نفسها فهي لا تبيع شيئا ، لأنها لا تنتج أبسط الحاجات الضرورية الأولية ، ماذا أقول؟ لا ينمو فيها أي نوع من الخضار ، وليس هناك قطعة واحدة من العشب الأخضر على أديمها ، ولا يهديها البحر إلا بعض الأسماك القليلة والصغيرة. يأتيها كل شيء من القاهرة ، وليس فيها الماء الذي تشربه الحيوانات ، والذي ينبغي أن يذهب الناس إلى مكان يبعد أكثر من مرحلة للبحث عنه ، أما الماء الذي يشربه البشر
__________________
ـ وآخر من حكم من هذه السلالة هي كليوباترة التي سقطت مصر في عهدها بأيدي الرومان.
(١) انظر حول الوصف الذي قدمه الرحالة لمدينة السويس وغيرها من مدن البحر الأحمر في كتاب : مصر في كتابات ... ، موثق سابقا ، ص ٣٦٠ ـ ٣٦٣. وفصّل بيرتون في الحديث عن السويس في رحلته ، موثق سابقا ، ج ١ ، ص ١٣٥ ـ ١٥١.