فهو أكثر بعدا أيضا ؛ إذ يذهب الناس بحثا عنه إلى بركة موسى ، الواقعة على الشاطىء الآخر لخليج السويس ، وإن هذا الماء الذي لا يقل ثمنه عن قرشين للقربة غير صالح للشرب دائما ؛ وإن الأشخاص الحريصين على ما يشربون ، لا يشربون إلا ماء النيل الذي يستقدم على ظهور الإبل عبر الصحراء ، وذلك مبالغ فيه للحصول على كأس من الماء. / ٢٥ / أما المدينة نفسها فلا تكاد تستحق الوصف ، شوارعها وأزقتها ضيقة وملتوية ، وتعج بالغبار ، وهي وسخة غالبا. أما البيوت فسيئة العمارة ، لا يهتم أصحابها بترميمها ، وأغلبها من الخشب أو من اللّبن ، وفيها بعض المساجد البسيطة ، ومناراتها أشد بساطة منها أيضا ؛ فيها فنادق واسعة ، ولكنها وسخة جدا ، مخصصة للبضائع والتجار ، وفيها سوق واحد يفتقر في ثلاثة أرباع السنة إلى الحاجات الضرورية جدا : تلك هي اليوم حال تلك المدينة ، التي كانت في سالف الدهر مزدهرة بلا شك ، ويمكن أن تعود إلى ما كانت عليه من ازدهار بل أكثر ، عند ما يتم فتح القناة التي ستجعل منها واحدا من أهم الموانىء التجارية ، بل السياسية في العالم كله. وإن لمينائها ، مع ذلك ، وعلى حالته الراهنة ، مكانة متوسطة ، تحيط به بيوت صالحة للسكن ، وله رصيف على البحر تجده بعض الأحيان يعج بالناس. إن هناك عددا كبيرا من المراكب المصنوعة محليا ، والمخصصة لتمخر عباب البحر الأحمر ، ولكن عدد المراكب التي تقضي الليل في المرفأ يدل على أن حركة الملاحة ليست بالنشاط المطلوب. وقد كان أحد تلك المراكب المشحونة بالرقيق يفرغ حمولته البشرية لحظة وصولنا. يقيم قليل من الأوروبيين في هذا المكان الكئيب ، ومع ذلك عرفت سيدة فرنسية يعمل زوجها بالتجارة في هذه الأنحاء ، وكانت / ٢٦ / تعيش في انتظاره مع ابنتها الجميلة البالغة من العمر ثمانية عشر عاما ـ في عزلة تكاد تكون مطلقة. ورأيت أيضا القنصل أو نائب القنصل البريطاني الذي تجدر الإشارة إلى أنه يسكن المنزل الذي كان ينزل به الجنرال نابليون في عام ١٧٩٩ م. وكان ذلك القنصل يجمع بين وظيفة القنصل ووظيفة الوكيل التجاري لشركة الهند الشرقية ، وإن هذه الازدواجية السياسية التجارية صفة مشتركة للقناصل البريطانيين جميعهم ؛