وكانت الوسيلة الوحيدة أن نحاول إيجاد طباخ في السويس ، ويبدو أن أقدار الله ساعدتنا فساقت إلينا غاسبارو مازانتي Gasparo Mazzanti وهو من سكان فلورنسة الأصليين ، وكان يتحدث اللغة التوسكانيةToscan بلهجة واضحة ، خاصة بأهل فلورنسة ، ولم يكن يعرف أي كلمة عربية ، على الرغم من أنه أقام في مصر خمسة عشر عاما ، بعد أن ساقته إليها خلافات أسرية. وكان يتملك مطعما في الإسكندرية ، وكان في هذه الأثناء موجودا بالمصادفة في السويس ، وعرض علينا خدماته ، فقبلنا ، وقد كان على استعداد للذهاب معنا إلى آخر الدنيا من أجل عشر تلرات (١) Talari في الشهر. لقد قضى هذا الرجل الشجاع في خدمتي ثمانية أشهر كان خلالها مثالا في التفاني والاستقامة. وإن مثل هذا الخلق أصبح نادرا كل الندرة لدى الأوروبيين الذين يقيمون في الشرق ، حتى إنه ينبغي الوقوف عنده وتسجيله.
ترسل فرنسا إلى السويس قنصلا ، ولكنه بالطبع يفضل الإقامة / ٣١ / في القاهرة أو الإسكندرية على الإقامة في هذا المنفى. ويدير أعمال القنصلية التي لا تكاد تذكر في غيابه تاجر من السكان الأصليين اسمه كوستاCosta ؛ وهو يوناني الأصل كما أظن. وهو لا يتقن لغة البلد التي يمثلها ، ولكنه في مقابل ذلك يتقن الحديث بالعربية ، ويحفظ عددا من الحكايات والقصص الممتعة التي يوشّي بها أحاديثه. وقد كان أحد أبنائه يتكلم الفرنسية ، فأفدنا منه فوائد جمة ، ولا يسعني إلا الإشادة بما قدمه لي من خدمات جيدة إبان إقامتي.
__________________
(١) ريال ماريا تيريزا ـ ثالر (النمساوي) ، وقد اشتهر في الجزيرة العربية باسم (الريال الفرنسي) وقد طغى هذا على الاسم الحقيقي للريال ... ويعد من أشهر العملات الأجنبية التي استخدمت على نطاق واسع في الجزيرة العربية ، وقد سكت من معدن الفضة في عام ١٧٨٠ م ووزنها يوازي الأوقية الواحدة ، وظل التعامل بها قائما في أقطار الجزيرة العربية حتى وقت قريب بسبب ثبات وزنها وعيارها اللذين لم يتغيرا ، وقد أطلق العامة عليه اسم (أبو طاقة) بسبب الرسم الموجود على ظهره. انظر كتاب : تطور النقود في المملكة العربية السعودية ، الصادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي ، ١٤١٩ ه ، ص ١٩.