كنا بحاجة إلى مركب يحملنا إلى جدة ، ولم يكن الحصول على مركب يناسبنا بالسهولة التي نعتقدها ، لأن مراكب السويس كلها مرقمة ، ومسجلة ، ليبحر كل واحد بدوره ، دون أن يكون بالإمكان تغيير الدور أبدا. إذا ، لا نستطيع اختيار المركب الذي نريد ، ونحن مجبرون على ركوب المركب الذي جاء دوره في الإبحار سواء كان مناسبا أم لا. لم يكن هذا الأمر ليناسبنا. ولم يكن بوسعنا تجاوز ذلك إلّا بموافقة الحاكم ، وقد كان بلا شك سيوافق على استثنائنا من الدور ، ولكن كان ينبغي طلب ذلك ، وهو إجراء شكلي ممل.
وجدنا أنفسنا بفضل المصادفة وكوستا في غير حاجة لطلب مساعدة أحد ، أو لدفع شيء ؛ وهما أمران متطابقان في الشرق. لقد كان يرسو في المرفأ / ٣٢ / مركب من جدة ، ولم يكن ينتظر للعودة إليها إلّا أن يجد أي حمولة كانت ، لقد استأجرناه كاملا لنا ولمرافقينا ولأمتعتنا مقابل مبلغ بسيط بلغ ألف قرش (١) ؛ وهو بالتأكيد مبلغ تافه إذا علمنا أن المسافة تبلغ ستة آلاف كيلومتر بحرية ، ناهيك عن أنه كان على المركب أن ينتظرنا في الطور الزمن اللازم لزيارة جبل سيناء. وقد وقع كوستا نفسه عقدا بالعربية ، وختمه بالخاتم القنصلي زيادة في الاحتراز.
ولم يكن بيرتون ليسافر معنا لأنه كان ، كما قلت سابقا ، ذاهبا للالتحاق بوحدته العسكرية في بومباي. وإن الباخرة التي ستحمله إلى هناك مع الركاب البريطانيين الآخرين ، التي كان وصولها إلى السويس منتظرا بين لحظة وأخرى ، رست على بعد خمسة أو ستة أميال عن الشاطىء ؛ لأن ضحالة البحر لا تسمح للقطع البحرية الكبيرة بالاقتراب أكثر ، دون أن تتعرض للخطر. وكان أحد الزوارق التابعة للباخرة يؤمن الاتصال بينها وبين المدينة ، ويقوم بعدد من الرحلات بينهما يوميا ؛ وكان على متنه ثمانية أو عشرة من الشجعان الذين يرتدون سترا بيضاء وأحزمة حمراء ، وكان يسير على وجه الماء المستوي كأنه
__________________
(١) ذكر بيرتون ذلك في كتابه : قصة رحلة شخصية إلى الحج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة ، مج ١ ، ص ١٧٨ ـ ١٧٩ ، من النص الإنكليزي ، ط ١٩٦٤ م.