على بعد خطوات من هنا ، احتاج وصولنا إليه ثلاث ساعات. إن أسواره الجرانيتية العالية ، والأعلام الثلاثة التي ترفرف على ذروته : علم موسى ، والقديس جورج ، والقديسة كاترين ، تجعلنا نظن أنه قلعة أكثر منه ديرا. وهو في الحقيقة قلعة أقيمت في حضن الصحراء ، وعلى أرض إسلامية ، وهي تتعرض لخطر عدوين هما : التعصب والطمع ؛ فقد هاجمه / ٦٢ / البدو الذين تغريهم ثرواته عدة مرات ، وكان على سكانه أن يتخذوا عدة إجراءات عسكرية لصدهم ؛ يملك الدير ، ناهيك عن مدفعين ، ترسانة مملوءة بالأسلحة من كل نوع : وليس هذا بقليل من أجل رجال سلام. إن الباب الكبير والوحيد لهذا الصرح الضخم مغلق منذ ما يقارب قرنين ، ولا يفتح إلّا في المناسبات الكبرى في أثناء زيارة الشخصيات الكبرى في الكنيسة اليونانية ؛ وهذا لا يكاد يتم إلّا كل ثلاث أو أربع سنوات. أما في الأوقات الأخرى ، فإن الباب مغلق بإحكام ، ولا يمكن حينئذ الدخول إلى ساحة الدير ، إلّا عبر كوة نقبت في الحائط على علو أربعين مترا من الأرض ، يرفع من يريد الدخول إليها بواسطة الحبال ، بعد أن يتحدث مع الرهبان ، ويعلن اسمه ومركزه.
ولما وصلنا إلى أسفل السور ، وترجلنا عن الهجن ، قرع الناقوس معلنا وصولنا ، وأطل راهب البوابة برأسه من الكوة ، وألقى إلينا حبلا لنربط فيه رسالة تعريف زودنا بها كوستا لكبير رهبان الدير. وطال انتظارنا الجواب الذي وصل بعد وقت طويل. ودخلنا الدير ليس عبر البرج الذي أعفونا من الصعود إليه وإنما عبر باب سري تم فتحه مؤخرا في الجانب الآخر من البناء خلافا للأوامر والحذر ، ولا يستغرق سدّ هذا الباب في حالة التعرض للهجوم إلا بضع دقائق. ولما تجاوزت الباب السري الذي كان منخفضا حتى إنني لم أتمكن من الدخول إلّا بعد انحناء شديد / ٦٣ / مررت بعدد من الأفنية ، غير متساوية ، وغير منتظمة ، ثم عبر نفق مغلق بسياج من الحديد ، ثم فناء آخر أيضا ، حتى وصلت أخيرا عبر درج خشبي إلى رواق الدير المخصص للأجانب ، والذي كان قد سبقني إليه سائحان من العالم الجديد.
__________________
ـ كتاب : تاريخ سيناء ... ، موثق سابقا ، ص ٢٠٥ ـ ٢٣٠.