أما المساكن المخصصة للمسافرين ، فقد كانت تطل على ممر يمتد النظر منه ليشمل الصرح كله : ويخيل إلينا أننا نرى قرية كبيرة تحيط بها الجدران. ولا ينبغي أن نبحث عن نظام معماري ، أو مخطط لهذه القرية : إنها متاهة من الأبنية المكدسة المتداخل بعضها فوق بعض ، حسب طبيعة الأرض وراحة السكان ، إنها الفوضى بعينها. وإن أول ما يلفت النظر وجود مسجد تعلو منارته وسط المكان ، وإن هذا الأمر الذي يصعب على المسيحي تقبله فرضه السلطان سليم على الرهبان لكي يقبل بوجود الدير ، ومقابل بعض الميزات الدنيوية التي خصّ بها جماعة الرهبان التي تعيش في الدير ، وإن الفرمان الذي يضمن لهم تلك الميزات ، موجود لديهم في أرشيف الدير ، لكنهم لم يطلعوني عليه ، وسواء كان موجودا أم لا ، فإن أحدا لم يره حسب علمي. ويذكر أن النبي محمدا صلىاللهعليهوسلم أعطى رهبان الدير عهد أمان ، وليس ذلك الأمر تاريخيا بمستحيل. أسس هذا الدير الإمبراطور يوستينيانوس Justinien وزوجته تاضورة (١) Thodora في عام ٥٢٧ ميلادية / ٦٤ / وهذا يعني أن بناءه
__________________
(١) كتبنا الاسمين كما هما منقوشان على الحجر فوق باب الدير ، حسبما ذكر نعوم شقير في كتاب : تاريخ سيناء ... ، موثق سابقا ، ص ٢٠٨ ، والنقش بتمامه : «أنشأ دير طور سيناء وكنيسة جبل المناجاة الفقير لله الراجي عفو مولاه الملك المهذب الرومي المذهب يوستينيانوس تذكارا له ولزوجته تاضورة على مرور الزمان حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. وتم بناؤه بعد ثلاثين سنة من ملكه ، ونصب له رئيسا اسمه ضولاس. جرى ذلك سنة ٦٠٢١ لآدم الموافق لتاريخ السيد المسيح ٥٢٧». وعلق نعوم بك شقير بقوله : إن النقش يعود إلى القرن الثاني عشر أو الثالث عشر وفيهما غلطتان تاريخيتان : الأولى أن أول رئيس سمي للدير هو الأب لونجينيوس وليس ضولاس ، والثانية أن الملك يوستينيانوس لا يمكن أن يكون قد أتم بناء الدير سنة ٥٢٧ لأن هذه السنة هي بدء ملكه ، وكان إذ ذاك مشغولا بالحروب كما هو ثابت في التاريخ. وإذا صح أنه أتمه بعد ٣٠ سنة من ملكه كما في هذا الأثر فيكون قد تم سنة ٥٥٧. ورجح شقير أن يكون قد تم بناء الدير في نحو سنة ٥٤٥ معقلا لرهبان سيناء. تاريخ سيناء ... ، ص ٢٠٩. ويوستنيانوس الأول ؛ جوستنيان الأول (٤٨٣ ـ ٥٦٥ م) : إمبراطور بيزنطي (٥٢٧ ـ ٥٦٥ م) جمع الشرائع الرومانية ودونها.