فالبحتري لم يأت بالتشبيه صريحا فيقول : إن حال الممدوح يضحك في غير مبالاة عند ملاقاة الشجعان ويفزعهم ببأسه وسطوته تشبه حال السيف عند الضرب له رونق وفتك ، ولكنه أتى بذلك ضمنا ، لباعث من البواعث السابقة.
ولنأخذ مثالا ثالثا وهو قول ابن الرومي :
قد يشيب الفتى وليس عجيبا |
|
أن يرى النّور في القضيب الرطيب (١) |
فابن الرومي يودّ أن يقول هنا : قد يعتري الفتى الشيب في ريعان شبابه ، وليس ذلك بالأمر العجيب لأن الغصن الغضّ الندي قد يظهر فيه الزهر الأبيض قبل أوانه.
فالأسلوب الذي عبّر به ابن الرومي عن فكرته هنا يتضمن تشبيها لم يصرّح به ، فإنه لم يقل مثلا : إن الفتى وقد شاب مبكرا كالغصن الغضّ الرطيب وقد أزهر قبل أوانه ، ولكنه أتى بالتشبيه ضمنا ، لإفادة أن الحكم الذي أسند للمشبّه أمر ممكن الوقوع.
ولنأخذ مثلا أخيرا وهو قول أبي تمام :
لا تنكري عطل الكريم من الغنى |
|
السيل حرب للمكان العالي |
يريد أبو تمام أن يقول لمن يخاطبها : لا تنكري خلوّ الرجل الكريم من الغني ، فإن ذلك ليس غريبا ، لأن قمم الجبال وهي أعلى الأماكن لا يستقر فيها ماء السيل.
فالكلام يوحي بتشبيه ضمني ، ولو صرّح به لقال مثلا : إن الرجل الكريم المحروم الغنى يشبه قمة الجبل وقد خلت من ماء السيل. ولكن
__________________
(١) النور : الزهر الأبيض. والقضيب الرطيب : الغصن الغضّ الندي.