نهج منها قريب من الاقتصاد ، حتى استرسل فيها أبو تمام ومال إلى الرخصة فأخرجه إلى التعدي ، وتبعه أكثر المحدثين بعده ، فوقفوا عند مراتبهم من الإحسان والإساءة ، والتقصير والإصابة. وأكثر هذا الصنف من الباب الذي قدمت لك القول فيه ، وأقمت لك الشواهد عليه ، وأعلمتك أنّه مما يميز بقبول النفس ونفورها ، وينتقد بسكون القلب ونبوه ، وربما تمكنت الحجج من إظهار بعضه ، واهتدت إلى الكشف عن صوابه أو غلطه» (١).
ولعلّنا ندرك من هذا القول أنّ مردّ الحكم على جودة الاستعارة أو قبحها عند الجرجاني هو «قبول النفس أو نفورها» وأنّ ذلك أكثر من الحجج الدالة على جودة الاستعارة أو قبحها ، فقد يجد الناقد حججا يستدل بها على جودة الاستعارة ، ومع ذلك تنفر منها النفس ، أو يجد حججا يستدل بها على قبح الاستعارة ، ومع ذلك تقبل عليها النفس.
ولا ريب أنّه في ذلك يلتقي مع الآمدي في أنّ الحكم على جودة الاستعارة أو رداءتها يرجع أكثر ما يرجع إلى الذوق الذي هو وليد المران والدربة وإطالة النظر والتأمل في أقوال الشعراء المجيدين.
كتاب العمدة :
وفي القرن الخامس الهجري نلتقي بأبي علي الحسن بن رشيق القيرواني «٤٥٦ ه» في كتابه «العمدة» الذي يعدّ أيضا من الدراسات النقدية على أسس بلاغية.
ويحدّثنا ابن رشيق في مقدمة كتابه العمدة عن الدافع الذي حفزه
__________________
(١) الوساطة بين المتنبي وخصومه ص : ٣١٩ ـ ٣٢٠.